الثورة – ديب علي حسن:
هل تظن اليوم أنك أكثر خصوصية وقدرة على إخفاء ما لديك؟ تمسك المحمول أو تجلس وراء طاولة الحاسوب وتبدأ عملك أو محادثاتك تدخل العالم الافتراضي ومشتقاته أو لا تفعل.. تكتب ترسل تتلقى تسجل الإعجاب هنا وهناك.. تعلق أعجبني أحزنني أضحكني أو غير ذلك.. تبحث عن هذا وذاك تريد معلومة ما.. تتابع مقطعاً من فيديو.. ترسل صورة.. تهمس تغضب تفرح.. تعتقد أنك في عالمك السري.. وإذا ما دخل أحد ما فإنك مباشرة تترك ما تقوم به لئلا يراه.. قد يكون أخاك أو أي أحد.. لا تريده أن يرى شيئاً مما تفعله.
ولكنك عار من كل شيء في مكان آخر ثمة من يراك ويتابع كي يرصد كل شيء يعرف كل ما تعلنه وتخفيه.
أنت تستحم في العراء الأزرق وأمام الجميع.
إنها النخاسة الزرقاء كما يقول عنها كتاب الإنسان العاري.. الدكتاتورية الخفية للرقمية.
ترجم الكتاب إلى العربية سعيد بنكراد.. وهو من تأليف مارك دوغان.. وكريستوف لابي.
يرى الباحثان أن البيغ داتا عندما تسنن (تضع قواعده) العالم إنما تضع شاشة بيننا وبين الواقع تقوم بغربلة انفعالاتنا تلك الإفرازات الإنسانية غير الخاضعة للنمذجة التي تجعل سلوك الإنسان في السراء والضراء غير متوقع على عكس ما يحدث في الحاسوب. ها هي مقولة الأصالة تتبخر هي التي كانت قيمة أساسية عند اليونان القدامى فالأصالة عندهم هي أن يعرف المرء نفسه وأن يقبل بوعي الوجود كما هو وها هو الزيف يحل محل هذه الأصالة إنه زمن المزيف حيث لا شيء أصيل لا الديكور ولا الذات ومن أعراض هذا الانحراف ولدت في ٢١ أيار ٢٠١١ في مصر فتاة أطلقوا عليها فيسبوك.
إن إغراق المجتمع الافتراضي يقلص من حجم الواقع فربط المرء اليوم علاقة في مواقع اللقاءات مع عشيقته أو عشيقها دون أي لقاء جسدي يمكن أن يقع تحت طائلة القانون وينظر إليه باعتباره زنى في حالات الطلاق.
وقد يكون فك الارتباط مع الواقع أشد وقعاً مع انتشار السماعات الموجهة إلى الجمهور العريض فكل الصناعة التكنولوجية التي ترغب في الاستحواذ على سوق الفيديو تبحث في عوالم مصطنعة يكون من الصعب تمييزها عن العالم الواقعي.
وقد أنفق فيسبوك مليارين من الدولارات من أجل تطوير سماعته الخاصة التي أطلق عليها اوكولوس ف. ر ففي الفيلم الاستباقي ماتريس الذي عرض في القاعات سنة ١٩٩٩ يكتشف البطل وهو شاب متخصص في المعلوميات أنه يعيش ضمن مصفوفة ويتعلق الأمر بكون افتراضي تصورته الحواسيب إنه الواقع وهم إنه ليس ما هو موجود بل ما يلتقطه الذهن
ونحن حين نجري وراء المجاني في الانترنت فهذا يعني أننا نحن المنتج فعندما تدخل النت تبرم عقداً مع الشيطان.. هويتنا الرقمية مقابل خدمات الولوج المجاني الذي يكشف كل شيء فينا.
لسنا مستقلين كما نعتقد بل نحن خاضعون للآلة.. ونحن في كهوف العالم الأزرق عراة.. إننا منتج تباع هويته الرقمية عدة مرات كما يفعل ذلك في سوق النخاسة.. وقد أعلن ذلك ايريك شميدت رئيس المجلس الإداري لغوغل في كتاب عنوانه نحن من سيكتب المستقبل ستكون الهوية عند كل مواطن هي أغلى المنتجات.