يمن عباس:
اطلب العلم ولو في الصين مقولة عربية قديمة ليست وليدة اليوم، ولكنها صالحة لليوم والغد، الصين شريك الألق والنور والعطاء، وصناعة الخصارة الإنسانية،، بنهضتها الثقافية والعلمية وتفاعلها الإنساني تثبت أن الجذور الحية لا تموت، إن الحكمة والقدرة على التفاعل مع العالم، ليس طارئاً بل هو يمتد من العمق الزمني إلى الغد، نقف عند كتاب مهم جداً صدر منذ فترة يقول عنه الكاتب: محمود عبد الشكور في موقع الشروق:
أمضيتُ مع هذا الكتاب البديع أوقاتاً جميلة.
فى كل يوم أفتحه، وأقتبس من مأثوراته، وأفكاره، وأمثاله، وحكاياته، واختياراته الأدبية، وسخريته الرائقة، القادمة من عالم الحكمة الصينية المدهشة.
الكتاب الصادر عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة بعنوان «ألف حكمة وحكمة صينية»، من ترجمة واختيار د.أحمد السعيد، صاحب الجهد الفائق والمميز في نقل عيون الثقافة الصينية إلى اللغة العربية، والذي قدّم في هذا الكتاب ألف جملة وجملة صينية مترجمة، جُمعت خلال ثلاث سنوات، تستقطر المعنى، وتنقل تأملات مهمة عن أحوال الدنيا، وتقلباتها، وتتميز بالنظرة الفلسفية العميقة.
تعبّر بعض الجمل أيضاً عن المشاعر والعواطف، وتعبر كثير منها عن روح الفكاهة والمرح، أي إننا أمام رؤية شاملة للعالم، مكثفة، ومختزلة، وشاعرية أحياناً، من خلال حضارة وثقافة الصين، وعبر مقولات صينية شهيرة، قديماً وحديثاً.
مقدمة محمد ماهر بسيوني للكتاب تؤكد أهمية هذا المشروع الذى يتنباه د.السعيد، حيث يلاحظ بسيوني عن حق، أنه رغم التواصل التجاري بين العرب والصينيين، ورغم نقل العرب اختراع الورق عن الصين، إلا أنهم لم يهتموا بالترجمة عن اللغة الصينية، وتأخرت كثيراً عملية ترجمة عيون الثقافة والحكمة الصينية.
وحتى عندما أنشأ هارون الرشيد أول دار علمية باسم «بيت الحكمة»، اتخذت من بغداد مقراً لها، وبدأت في ترجمة تراث اللغات الأخرى، كالفارسية واليونانية، لم يلتفت هذا العصر الذهبي للترجمة، إلى الحكمة الكونفوشيوسية الصينية، التي تجمع بين الفلسفة والسياسة والإدارة.
اكتفى العرب بحسن الجوار، وبالتبادل التجاري مع الصين، ورغم إعجابهم بالمنتجات والمخترعات الصينية، إلا أنهم لم يبذلوا جهداً في البحث عما وراء هذه المنتجات من وعي عقلي وتراث ثقافي، وانتظرنا طويلاً حتى ظهور أجيال من المترجمين، جعلوا مشروعهم اكتشاف الثقافة الصينية بكل تجلياتها، ولا شك أن جهد د.السعيد وزملائه، من أبرز معالم هذا الاتجاه.
لا شيء يقدم هذا الكتاب مثل أن أنتقى لك بعضاً مما أعجبني من مقولات، وقد أسعدني أن الجمل ليست مترجمة فقط إلى العربية، ولكن النص الصيني الأصلي للجملة متاح أيضاً، مما يجعل للكتاب فائدة إضافية، لدارسي اللغة الصينية.
يتأمل الصيني الحياة، فيقول:
«إن على المرء إدراك ثلاث مسائل: ماذا يملك، وماذا يريد، وعن ماذا سيتخلّى؟».
«الحياة تحتاج لأربعة أصناف من البشر: معلّمٌ يوجهك، وعزيزٌ يساعدك، وقريبٌ يدعمك، وصعلوكُ يستفزك».
«ليس العطاء دائماً بالمنح، بل أحياناً يكون بالمنع، فكتمان الغضب، وستر أسرار الناس، وكفّ اللسان، من أحكم أنواع العطاء».
«في الصغر، كانت السعادة أمراً بسيطاً للغاية، وكبرنا وصارت البساطة هي غاية السعادة».
«إن أردت فهم الحياة، فانظر خلفك، وإن أردت أن تحياها جيداً فانظر أمامك».
«الخط الأحمر لأي علاقة هو: ألا تجعل نفسك مرهقاً جداً بسببها».
«كن إنساناً جيداً، ولكن لا تهدر الوقت لتثبت أنك إنسان جيد».
«ميلُ الجميع إلى نفس الجانب يغرق السفينة».
«إذا لم يكن لديك من يمسح دموعك، فلا تبك».
«الحياة هي البحث عن الحلوى وسط أكوام من زجاج مكسور».
«لا تصدقهم لأنهم يقولون ما تود سماعه».
«سألته: كيف أكون ناجحاً؟ أجاب المسنّ: «لا تحاول أن تكون شخصاً ناجحاً، اجتهد أن تكون شخصاً ذا قيمة».
«تتوقف فتهوى بحفرة، تستمر فتتسلّق جبلاً، هذا هو أفضل وصف سمعته للحياة».
«تأتي فأحسبك لم ترحل أبداً، ترحل فأحسبك لم تأت قط».
«كن بمكان هادئ، وطالع صخب العالم».
«الكراهية شقاءٌ شديد، لا تدعها تقربك».
وعن العمل واكتشاف الحافز، يقولون:
«الاجتهاد لا يضمن النجاح، ولكن الاستسلام يضمن الفشل».
«فقط السمك الميت يتبع التيّار».
«معنى: «لا يمكن»، هو: «لا، يمكن».
«إن كنت تعرف إلى أين تذهب، فالعالم كله سيفسح لك الطريق».
«أتمنى لك ألا تفقد أبداً شجاعة البدء من جديد».
«غريمي الوحيد هو نفسي، فإذا أردت أن أعلو، فما علىّ إلا أن أوجّه نفسي للأعلى، وليس أن أضغط غيري للأسفل».
«ليس بمقدورنا دائماً القيام بأفعالٍ عظيمة، ولكن يمكننا القيام بأشياء صغيرة بحب عظيم».
«لا تفتح خريطة غيرك لتبحث عن طريقك».
«على المرء أن يستمتع بهذا العالم، لا أن يحاول فهم العالم».
عن الحب، هناك أيضاً بعض الجمل اللامعة، التي تُقارن بروائع أشعار الهايكو اليابانية، ولدى الصين دوما ما يستحق الإعجاب:
«الحب الذي يمكن قياسه هو حب فقير»… (مثل صيني)
«هو قلبي، لكنه مليءٌ بك».
«لو لم أقابلك، كان بإمكاني الصبر على تحمّل الوحدة».
«في الحقيقة، لست أنتظر أن تحبني، أنا أنتظر توقفي عن حبك».
«هناك من لا تعرف له ميزة، ولكنه لا يعوّض ولا يُستبدل».
«أكثر ما على الأرض عناداً هي القلوب، حيث يمكنك إقناع كل الناس، إلا قلبك».
«تبّا، لا أتذكرُ أىي مكان أنت لست به».
«ليست هناك أسباب لنحب إنساناً ما، فبعد ما نحبه، كل ما فيه يتحول إلى أسباب».
«هذا العالم ليس به «لو»، ولكن به الكثير من «لكن».
حتى الفكاهة الصينية، تمتلك الكثير من الخفة والبهجة:
«إذا كنت في علاقة حب، ويومياً ينفطر قلبك، وتدمع عيناك، وتنتابك الكآبة، فعليك أن تتوقف وتسأل نفسك جيداً، هل أنت فعلاً في علاقة حب مع حبيب، أم مع بصلة!».
«اعتقدتُ أنك ستسير معى للنهاية، ولكنك بعد خطوتين فقط استوقفت التاكسي».
«أشعر أن حبيبي رائع بكل شيء، فقط لديه مشكلة في حس الاتجاهات، لذلك لم يجدني كل هذه السنوات».
«لو جاء يوم، ورفضك العالم بأسره، فلا تحزن ولا تقلق، تعال إلىي، وسوف أخبرك أنه في الحقيقة، أنا أيضاً لا أريدك».
شكراً للثقافة الصينية، ولأحمد السعيد، على هذه المتعة الخالصة.
وفي قراءة فى تاريخ الشعر الصيني يتوقف – د. عماد الدين الجبوري
عند الشاعر هسو لينغ “507-583” فقد نظم قصيدته “مياه لونغ – توو” وهي منطقة تقع في الشمال الغربي من حدود الصين. حيث يصف طبيعتها قائلاً:
الطريق الذى اجتزته عبر الجبال الشاهقة:
النهر الذي عبرته بمنحدره الشديد.
العليقات الثخينة، في الصيف لا أحد يعبُرها،
قمم الثلوج، في الشتاء لا أحد يتسلقها!
الأغصان متشابكة
تجعل وادي لونغ معتماً:
نحو المنحدرات، صوت المرء يعلو متكرر الأصداء.
أدرت رأسي، كأنه يبدو حلماً
وصلت شوارع هسين – يانغ.
