كيف تبدو صناعة النشر، في عالم السوق المفتوح، وهل يمكن لها أن تحقق حضوراً متوازناً في واقع يتجه نحو البعد الترفيهي، أم أن عالم الكتاب بكلّ ملحقاته المتعلقة بالكتابة والكاتب أو بمعنى أشمل الإبداع عموما، سيتهمش لصالح القوى الترفيهية…؟
كلّ من يتابع عالم ” الإعلام المستحدث اليوم” يدرك الخطورة بين قوة تسطيحيه تطغى ضد الوظيفة الإبداعية لفعل الكتابة، الأمر الذي يفقد عالم النشر وصناعته قدرته التنافسية، إلى حدّ كبير في عالم يعتمد على ضخ المرئيات بكثافة هائلة.
ومع كثرة مشاهدي هذه المرئيات العابرة للذاكرة والذهن، دون أي أثر غالباً، يبدو التهديد مختلفاً هذه المرة على عالم القراء، وإن لم ينتعش عالم النشر والقراءة وينفتح على إمكانيات مغايرة بعيداً عن التنميط الذي نعرفه قبل الانفتاح التكنولوجي سيكون بعيداً عن قوانين العرض والطلب.
ومع تزايد وتيرة الاستهلاك الترفيهي، على المنصّات الرقمية، لا شك أنه لا عودة إلى الوراء، ومع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي بقوة في مختلف الميادين، كلّ الخشية أن يدخل الكتاب في صراع الرقمنة لكن بشكل وأسلوبية استهلاكية تأخذ بعين الاعتبار مفهوم المنظومة الرأسمالية والتسليع بحيث يدخل الكتاب في أزمة إبداعية تبعده عن المعنى وعالم الخيال والفعل الإبداعي في غياب رهانات فكرية وفلسفية لطالما أقلعت بالمجتمع الى أبعاد تطويرية لأنها حافظت على أصالة المهنة.
في ظلّ هذه التحولات نحتاج إلى استراتيجيات تحافظ على الرهانات الثقافية بعيداً عن نجومية زائفة وجوائز مهرجانية والأهم عدم جر الأدب إلى الترفيه الخالص من دون عمقه المتعارف عليه عبر الحضارات المتعاقبة.
إن التحريض على الوجود النقدي في ظلّ كلّ هذه اللمعان الزائف، ربما يعيننا على أن ننجر إلى تحد حقيقي يحمي هشاشة الصناعات الثقافية ومنها النشر في عصر الرقمنة.
التالي