ثورة أون لاين:
قالتْ سورية كلمتها الصادقة وتحليلها الدقيق للتطورات التي شهدها الوطن العربي منذ بداية الأحداث التي مرّتْ بها الأمّة في عام 2010. ولم يكن غريباً على سورية، أم الموقف المبدئي وصاحبة السياسة المستقلّة، أن تستشعر الخطر الداهم الذي يحيط بها وبأمتها.
كانتْ سورية تعي أنّ أمتها مقبلة على معركة لا تبقي ولا تذر حيث بلغ السيل الزبى بالنسبة للمعسكر الذي كان قد خطّط أنّ القرن الحادي والعشرين هو القرن الأميركي، وبالنتيجة، القرن الغربي للهيمنة على العالم والتسيّد على مقدراته. وكان هذا البلد سورية، الذي تحمّل تبعات الصمود نيابةً عن الشرفاء العرب، على يقين بأنّ المعركة الفاصلة لا ريب مقبلة. وانطلاقاً من ذلك، فقد قامتْ الفعاليات السياسية السورية آنذاك بحملة تعبئة جماهيرية لتوعية المواطنين بما هو قادم من تحديات. وشهدتْ المراكز الثقافية السورية ومدرّجات الجامعات ومقاعد المدارس والحارات والتجمعات السكّانيّة حركة لشرح أبعاد المعركة المقبلة وسبل التصدّي لها. وعندما بدأتْ تجليات الهجمة على دولنا العربية تظهر واحدة إثر الأخرى، أيقنتْ سورية أنّ المعركة ستكون أكثر تعقيداً من المعارك السابقة التي استطاعتْ بفضل وحدة شعبها الوطنية من إفشالها وهي في مهدها.
الآن، وبعد أن ركد غبار مناورات الغرب وأدواته التي نفّذتْ المؤامرة من إخوان مسلمين ومتشددين وتكفيريين وإرهابيين ومجموعات مسلّحة تقتل وتدمّر من دون أي غرض معقول واضح، يتعرّف أبناء شعبنا إلى أهداف هذه الحرب التي عصفتْ بوطننا فدمّرتْ الإنسان وقضتْ على الإرث الحضاري وأوقفتْ عملية التنمية. إلاَّ أنّ الهدف الحقيقي الذي يحاول الغرب إخفاءه هو العامل «الإسرائيلي»، أي السبب الأساسي لكل ما شهدناه والدماء التي تمّ سفكها من دون أي مبرّر. وإذا كانتْ الأغراض التي تسترتْ بها مجموعات من المغامرين والمرتبطين بالمخططات الغربية قد روّجتْ لشعارات وغايات قام بتلقينهم لها قادة الغرب وأجهزة إعلامهم، فإنْ الحقيقة الناصعة والتي لا يمكن لأي كان إخفائها تكمن في مقولة: إنّ الأمور بخواتيمها!
في تونس سيطر الإخوان المسلمون على الدولة وحاولوا قلب منجزات الشعب التونسي الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من السير بالشعب التونسي نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وقام هؤلاء بتصدير ما لا يقل عن خمسة آلاف من القتلة والمجرمين ليمارسوا أبشع أنواع الدمار بحق الشعب العربي السوري ويقوم رئيس هذا البلد بالمزاودة بحقوق الإنسان والقيم الكونية التي لا يحترمها في بلده. أمّا في مصر فقد استلمَ الإخوان المسلمون الحكم من خلال انتخابات زوّرتّها أجهزة الاستخبارات الغربية ضد إرادة الشعب العربي المصري العظيم، فما كان من هذا الشعب إلاَّ الانتفاض على الإخوان المسلمين من خلال تلاحم لا سابق له بين أبناء مصر وجيشهم العظيم. وانتصرتْ ثورة 30 حزيران عام 2013، وخلّصتْ مصر من حكم هذا الطاغوت الذي لا علاقة له بالإسلام وقيمه السمحاء وتعاليمه الحميدة.
أمّا في ليبيا فقد قام الناتو بغزو ليبيا من خلال تحريف قرار مجلس الأمن فقتل من الليبيين الأبرياء عشرات الآلاف من دون أن يتمكن أحد من محاسبة المعتدين على جرائمهم وتدميرهم لبلد كان موحداً ويشهد عملية تحديث وأمان على رغم الملاحظات حول سلوك النظام.
أمّا في سورية، فقد كانتْ الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة لأنّ أعداء سورية كانوا يعرفون أنّ سورية هي جوهرة الانقلاب الذي يريدون. فالدول الغربية التي تحالفتْ مع بعض دول الخليج للنيل من سورية، فشلتْ في تحقيق مخططاتها بفضل وعي الشعب السوري والتفافه حول قيادته وبفضل الجيش العربي السوري العقائدي الذي تحمّل مسؤولياته ودافع عن الوطن، ومنجزات الدولة، وصان تاريخ وطنه الحضاري، وحافظ على دور سورية التاريخي عربيّاً وإقليمياً ودولياً. ولذلك كانتْ سورية عصيّة على المؤامرة، وها هي التطورات تثبت أنّ سورية لم تكن لقمة سائغة يمكن أخذها خلال بضعة أيام أو أشهر أو سنوات، على رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الدول الغربية وعملائها في دول الخليج لشراء الذمم وتشكيل العصابات الإرهابية المجرمة وتسليحها وإيواء إرهابييها.
أمّا النتيجة الكارثية التي أدّتْ إليها السياسات الغربية الفاشلة، فقد تمثّلتْ في قصر نظر قادة الدول الغربية حيث انفضحتْ أهدافهم وظهر غباؤهم. وبدلاً من ربيع غربي في بعض الدول العربية، نرى الآن الغرب يرتجف مذعوراً نظراً لارتدادات السياسات المدمّرة على أصحابها. وإذا كانتْ الأصوات ترتفع الآن في معظم الدول الغربية لمواجهة نتائج سياسات قادتها في بلدانهم بالذات التي قد تشهد ربيعاً مدمّراً فيها إن لم تقم بمراجعة سياساتها ومخططاتها ووضع حد لطغيانها وأخطائها.
وفي هذا المجال، لا بد من قيام المجتمع الدولي بشكل عام والدول الغربية بشكل خاص، بإجراء جردة حساب تُطاول الجوانب التالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن نرى داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية وهي تقطع مزيداً من رؤوس الغربيين في المنطقة وفي أوروبا:
أوّلاً:- مكافحة الإرهاب
لقد أصبح من الضروري الآن تأكيد الدول الغربية على إعادة النظر في تطبيقها هي وأصدقائها للقرارات الدولية المتعلّقة بمكافحة الإرهاب بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 1373، والقرار الذي اعتمده المجلس مؤخّراً برقم 2170 لمكافحة داعش وجبهة النصرة في سورية والعراق. وفي هذا المجال لا نرى بداً من العودة إلى روح هذه القرارات التي تجاهلتها الولايات المتحدة والدول الغربية والتي تؤكّد على وجوب مكافحة الإرهاب ومنع تمويل ومراقبة تحركات الإرهابيين والامتناع عن تقديم أيّة تسهيلات لهم في مجالات التمويل والتسليح والإيواء والدعاية والتحريض ومكافحة كافّة أشكال الإيديولوجيا التي تبرّر الإرهاب وتحرّض على القيام به.
إنّ مكافحة المجتمع الدولي للإرهاب كل لا يتجزأ وهو واجب على كل دول العالم ولا يمكن قبول أيّة ذرائع لعدم القيام به. إنّ تهشيم الدول الغربية لآليات العمل الدولي في مكافحة الإرهاب وبخاصّة خلال السنوات الأخيرة، أمر يجب أن يكون مرفوضاً من قِبَل مكونات المجتمع الدولي جميعاً. فما العمل إذا كان بعض أعضاء مجلس الأمن الدائمين كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وأتباعهم من الأعضاء غير الدائمين يتعامون عن قيام أصدقائهم المقربين منهم بتقديم الدعم اللامشروط للإرهاب الذي ترتكبه داعش وجبهة النصرة في سورية والعراق. وماذا سيقول هؤلاء للرأي العام في بلادهم والذي ارتفع صوته مؤخّراً احتجاجاً على هذه الدول مع أطراف حكومية وجمعيات أهلية ودينية وأشخاص متطرفين في المنطقة يقومون بتمويل وتسليح الإرهابيين. وهل يمكن السكوت عن الهيئات التي دعمتْ الإرهاب في كل من السعودية والكويت والإمارات وقطر وتركيا التي يحكمها الإخوان المسلمون؟ وفي الاجتماع الذي سيقوده الرئيس أوباما بتاريخ 25/9/2014، بصفة بلاده رئيساً لمجلس الأمن لشهر أيلول ضد الإرهابيين الأجانب، لا بد من إتاحة الفرصة أمام دول العالم لقول كلمة الحق، والمشاركة في وضع برامج جديدة وجادّة وملزمة وجريئة تمنع أيّاً كان من تمويل وتسليح الإرهابيين.
لقد قامتْ الدول الغربية بتدمير آليات مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب فور اعتماد مجلس الأمن للقرار 2170 عندما قالتْ أنّها ستستمر في ممارسة سياساتها التمييزية حول مكافحة الإرهاب، وأنّها ستحارب الإرهابيين في مكان ولكنها لن تحاربه في مكان آخر. كما أعادتْ بعض هذه الدول اسطوانتها المشروخة حول إرهاب معتدل وإرهاب متشدّد، تتحالف مع الأوّل وتدّعي أنّها ستقاوم الإرهاب الثاني. كما أنّه لا يجوز تحت أي عنوان كان استخدام الحرب على الإرهاب للإطاحة بالأنظمة السياسية وتغيير الأنظمة السياسية لمآرب سياسية معروفة والسماح بالاتجار بالسلاح دعماً لمجموعات مسلّحة تُمارس نفس القتل الذي تُمارسه داعش وجبهة النصرة تحت أسماء مختلفة لكن محصّلة أعمالها تصب دائماً في مصلحة الإرهاب. ولقد أصبح مطلوباً اليوم من الحكومات الغربية عدم السماح لبعض مواطنيها من المشاركة في الجرائم الإرهابية في الدول النامية وغيرها.
إنّ الدور الذي يمكن للأمم المتحدة القيام به هام إذا التزمتْ مؤسساتها وصناع القرار فيها بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وبخاصّة مبدأ سيادة الدول واحترام استقلالها وإرادة شعبها وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية. إنّ التساهل مع الإرهاب كما حصل في المواجهة الأخيرة مع قطعان جبهة النصرة والجيش الحر وآخرين عند مهاجمتهم لعناصر بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فصل الاشتباك في الجولان العربي السوري أمر أكثر من مأسوي. وما قيام الأمانة العامّة للأمم المتحدة بوصف هؤلاء القتلة بالمجموعات المسلّحة، أو مجموعات مجهولة إلاَّ محاولة مستمرّة للتغطية على جرائم هؤلاء الإرهابيين والتغطية على هويتهم الإرهابية التي دانها مجلس الأمن في قراره رقم 2170 الذي لم يجف حبره بعد والذي وصف بالاسم داعش وجبهة النصرة وفروع منظمة القاعدة الأخرى التي هاجمتْ حفظة السلام على أنّها كيانات إرهابية.
وفي هذا المجال، فإنّنا نؤكّد أنّ قيام دول العالم، خصوصاً القادرة منها على مواجهة الإرهاب والإرهابيين ليس منّة منها، بل هو واجب يجب أن يتم في إطار تحالف دولي وأعمال يتم تنسيقها مع الدول المعنية بغض النظر عن كبرها وصغرها في إطار احترام سيادة واستقلال ووحدة أرض وشعوب العالم. فإذا كانتْ المنظمات الإرهابية قادرة على التنسيق بين مختلف كياناتها والأقاليم التي تتواجد فيها، فإنّه حرّي بالدول التي تريد مكافحة الإرهاب أو تلك التي أصبحتْ هدفاً للعمليات الإرهابية التنسيق بينها. إنّ قيام تنظيم بوكو حرام الإرهابي في نيجيريا، على سبيل المثال، بالتواصل مع داعش وغيرها والتعبير عن التضامن بين هذه المنظمات يتطلّب من الجميع الابتعاد عن المعايير المزدوجة والمصالح الضيّقة لمحاربة الإرهاب.
إنّ سورية التي اكتوتْ بنيران الإرهاب المدعوم من قِبَل بعض الدول الخليجية تمويلاً وتسليحاً، ومن تركيا و»إسرائيل» وبعض الدول الغربيّة، تُطالب المجتمع الدولي والدول الغربية بوقف هذه الدول والأطراف عند حدّها إذا أرادتْ قولاً وفعلاً عدم تحوّل هذا الإرهاب إلى شوارعها ومدنها خلال الأيام والأشهر القليلة المقبلة، كما أعلن بعض قادة الدول الغربيّة مؤخّراً. ويقتضي ذلك وقف هؤلاء القادة تحريضهم على سورية والعراق ودول أخرى في المنطقة وكذلك وقف تمجيد بعض الفصائل الإرهابية وهياكلها السياسية فما يسمّى المعارضة المعتدلة التي تحمل السلاح ضد بلدها وجيشها لا مبرّر إطلاقاً لدعمها من قِبَل الغرب، لأنّ من يدعم هؤلاء في سورية، لن يقبل من أي طرف في العالم دعم أيّة مجموعات مسلّحة في بلدانهم.
إنّنا إذ نضع كل ذلك برسم المشاورات الجارية لعقد قمّة مجلس الأمن لمكافحة الإرهابيين الأجانب التي سيترأسها الرئيس أوباما وسيحضرها رؤساء الدول الدائمة العضوية وغير الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فإنّنا نؤكّد أنّ المطلوب هو أفعال تُلزم بشكل خاص الدول الغربية وغيرها بوقف تسرّب مواطنيها إلى دولنا لقتل شعبنا. كما يتطلّب ذلك اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لوقف صفقات الأسلحة التي يسيل لها لعاب بعض قادة الدول الغربية كما حدث مؤخّراً في فرنسا والتي تبيع أسلحة لأنظمة خليجية يعرفون أنّ الكثير منها سيقع في يد المنظمات الإرهابية. وكفانا اتجاراً بأرواح الشعوب لتنفيذ أجندات سياسية مرفوضة أخلاقياً. فلا يمكن ادعاء العفّة من قِبَل بعض هؤلاء القادة، كما هي الحال بالنسبة للرئاسة الفرنسية ومسؤولي سياستها الخارجية وهم يبيعون السلاح في سوق الإرهابيين والقتلة، ويبيعون القيم الكبرى للثورة الفرنسية في سوق النخاسة.
ثانياً:- الحرب على سورية
كانتْ سورية قد أعلنتْ منذ بداية التدخّل الخارجي في شؤونها الداخلية منذ 17 آذار 2011، أن معركتها هي ضد الإرهاب. وعندما عقد مؤتمر جنيف في مطلع هذا العام في المدينة السويسرية مونترو وفي جنيف لاحقاً، أعلنتْ سورية بكل وضوح أنّ الأولوية الأساسية للمؤتمر يجب أن تكون مكافحة الإرهاب. وفي هذا الإطار، تقدّمتْ بورقة رسمية ضمنتها أسباب إصرارها على أن تكون مكافحة الإرهاب أولوية لا تعلو عليها أيّة مسألة أخرى على جدول أعمال المؤتمر. وقد تمّ نشر هذه الورقة الهامّة في أجهزة الإعلام العالمية.
إلاَّ أنّ الوفد السوري لم يُفاجأ كثيراً عندما رفض الطرف الغربي الذي وجّه الطرف المفاوض ويدعى الائتلاف حتّى إمكانية مناقشة هذه الورقة. وكانتْ الذريعة في ذلك هي أنّ ذلك سيحرف الانتباه عن الأولوية التي جاءتْ بها الدول الداعمة للمسلّحين الإرهابيين وهي عملية نقل السلطة من خلال ما أطلقتْ عليه المرحلة الانتقالية. ولم تتزحزح الدول الغربية عن هذا الهدف المصطنع والمرفوض مما أدّى إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه جنيف.
لم يكن صعباً على أي مبتدئ في العمل السياسي أن يعرف أنّ الهدف من طرح مقولة الحكومة الانتقالية كان تسليم سورية للإرهابيين في إطار السياسة الأوسع وهو تغيير النظام. وفي الحالة السورية، وكما رأينا في الحالة المصريّة والليبيّة فإن هدف المرحلة الانتقالية تعني تسليم البلد للمجموعات الإرهابية التي ستقود إلى تفتيت البلد.
على كلٍ، لقد كشفَ مؤتمر جنيف حقيقة ما يُسمّى المرحلة الانتقالية المدمّرة، وأجهز الشعب السوري عليها عندما ذهب الملايين من السوريين إلى صناديق الانتخاب داخل سورية وخارجها وقبر هذه المقولة إلى غير رجعة، وما على الذين يقولون باحترام إرادة الشعوب، إلا احترام قرار الشعب السوري الديمقراطي الذي تمّ عبر صناديق الانتخاب.
الآن تصرخ الدول الغربية وأدواتها أنّ داعش قد أصبحتْ على أبواب أوروبا، ويهرع ممثلو العصابات المسلّحة للتطابق مع سادتهم في الغرب في ترديد هذه المقولة والادعاء بأنّهم يحاربون داعش في الوقت الذي كانتْ داعش وجبهة النصرة وفرع القاعدة الآخر الجبهة الإسلامية في تحالف لا تنفصم عراه. ألم يعلن قادة الائتلاف في اجتماعهم المُعيب في المغرب أنّه كان من الخطأ بالنسبة لمجلس الأمن وضع جبهة النصرة على قائمة الكيانات الإرهابية؟ ألم تكن حينها جبهة النصرة وداعش كياناً واحداً. إذا كان هؤلاء قد فقدوا إحساسهم وذاكرتهم وأصيبوا بمرض ألزهايمر، فما زال شعب سورية يذكر ذلك التحالف الذي ما زال قائماً الآن بين قادة الائتلاف ومجموعاتهم الإرهابية على الأرض وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية ويقاتلون في جبهة واحدة حتّى الآن؟ على كلٍ، طريق مكافحة الإرهاب مفتوح في سورية في إطار احترام السيادة السورية والتشاور مع سورية التي أعلنتْ أنّها كانتْ وستكون في قلب أي تحالف دولي لمكافحة الإرهاب. وعلى كل من يريد مكافحة الإرهاب، فإنّه لا يوجد أمامه أي خيار سوى وضع يده في يد الحكومة السورية، رمز مكافحة الإرهاب والعنوان الصحيح للتصدّي لهذا الخطر.
أمّا الادعاءات الباطلة التي يطلقها بعض قادة الغرب حول كذبة أنّ إطالة أمد الحرب في سورية هو الذي أدّى إلى ولادة هذه التنظيمات الإرهابية وتمدّدها فإنّ ذلك لا يصمد أمام الحقائق التاريخية والمنطقية وذلك للسببين التاليين:
إنّ هذه التنظيمات الإرهابية هي ثمار مرّة للحرب الأميركية في أفغانستان وغزوها للعراق في عام 2003، والذي حذّرتْ سورية من نتائجه الكارثية. إنّ فرع القاعدة في العراق بزعامة الزرقاوي معروف جيّداً لأي متابع. وبدعم خليجي أميركي غربي، انتقل هذا الفرع إلى سورية. أمّا إذا كانتْ الدول الغربية قد توقعتْ إنهاء الحكم الوطني التقدّمي في سورية خلال أيام أو أسابيع أو أشهر، فإنّ ذلك ليس عيباً يسجّل على سورية، بل هو عيب وغباء من قِبَل من دعم هذه التنظيمات وموّلها وقام بتسليحها وإيوائها وإرسالها إلى سورية، ويجب أن يتوقّف ذلك فوراً للحفاظ على عالم اليوم من دون أولئك المتوحشين الذين يقطعون الرؤوس ويأكلون الأكباد والقلوب البشرية من دون رحمة أو تردّد. لقد زرع هؤلاء الغربيين وأدواتهم الإرهاب وهم يكتوون بنيرانه الآن. والفارق هذه المرّة هو أنّ البشرية بشكل عام هي التي ستعاني من هذه السياسات الغربية قصيرة النظر والغبيّة، بينما يعاني شعبنا بشكل مُباشر من تدمير الإنسان والحضارة ومن المجازر التي ترتكبها هذه المجموعات المتوحشة.
إنّ السبب الحقيقي لإطالة أمد معاناة السوريين هو تقديم المال والسلاح والمأوى لهؤلاء الإرهابيين من قِبَل الدول الغربية وعملائهم في المنطقة وشراء الذمم والقتلة والبنادق المعدّة للإيجار داخل سورية. إنّ تساهل الحكومات الغربية وعملائها الإقليميين في السماح لعشرات الآلاف من مواطنيها بالانضمام إلى صفوف «الجهاديين» هو السبب في إطالة هذه الحرب. ولا نبالغ إذا قلنا أنّه فور توقّف تمويل وتسليح هؤلاء القتلة من قِبَل الدول المعروفة، فإنّ الإرهاب سيتراجع. لقد اعتمد الاتحاد الأوروبي سياسة رسمية لدعم الإرهاب عندما سمح بشراء المنتجات النفطية السورية من المجموعات المسلّحة وفرض العقوبات الاقتصادية على سورية، ولم يتراجع الاتحاد عن ذلك حتّى الآن، فمن هو المسؤول عن إطالة الحرب في سورية؟ إنّ السيّد الرئيس هولاند، داعم الإرهاب المعلن في سورية، ما زال يحرّض ضد سورية ويُدافع عن الإرهابيين فيها تحت ذرائع مختلفة، ألا يجب وقف مثل هذا التحريض على ارتكاب الإرهاب والقتل؟
ثالثاً:- الوضع في الشرق الأوسط
يجمع العالم أنّ السبب الرئيسي لتفجّر الأوضاع في الشرق الأوسط هو الصراع العربي «الإسرائيلي» المستمر منذ النكبة الفلسطينية وعدم تحقيق سلام عادل وشامل في هذه المنطقة. وإذا كانتْ كل دول العالم، غربها وشرقها، تؤكّد صحّة ذلك في خطابها السياسي، فذلك يعني أنّه لتطبيق هذا المبدأ فإنّ على «إسرائيل» أن تنسحب من دون أي شروط من الأراضي التي احتلتها في عام 1967 إلى خط الرابع من حزيران وإعادة الحقوق الثابتة وغير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقّه في الاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته على أرضه وعاصمتها القدس.
وبدلاً من الاستجابة لإرادة المجتمع الدولي فإنّ «إسرائيل» تقوم كل يوم في زرع الأراضي العربية بمستعمراتها وطرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم. وسيدرك كل من يُراقب حركة الاستيطان «الإسرائيلية» أنّه لم تبقَ هناك أرض لإقامة الدولة الفلسطينية عليها حيث سيكتمل تهويد القدس خلال سنوات قليلة. أمّا أراضي الضفة الغربيّة فإنّها أصبحتْ كقطعة الجبنة التي تنخرها المستوطنات في كل مكان. والأنكى من ذلك أنّ قادة إسرائيل لا ينكرون إطلاقاً قرارهم النهائي برفض وجود أيّة دولة فلسطينية أو الانسحاب من الأراضي السورية واللبنانية التي ما زالتْ تحت الاحتلال.
إنّ الاحتلال هو أعلى درجات الإرهاب. ففي ظل الاحتلال تُمارس «إسرائيل» قتلها للفلسطينيين وتنتهك حقوق الإنسان جميعها وتهاجم مدنهم وتقصفها بالأسلحة المدمّرة وتُزيل أحياء كاملة منها كما حدث مؤخّراً في غزّة عندما ارتكبتْ «إسرائيل» جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة بشرية ضد أهلنا الفلسطينيين. كما تتجاهل الدول التي تتحدث زوراً وبهتاناً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ممارسات «إسرائيل» الإجرامية وتبرّر امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل ورفضها لإنشاء منطقة في الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل.
لا يمكن للعرب قبول تهديد «إسرائيل» الدائم لأمنهم وللسلام العادل والشامل في المنطقة ودعم الغرب لها من دون تردّد في ارتكاب جرائمها ضد العرب. لقد ذَهَبَتْ بعض الدول الغربية مؤخّراً إلى لوم الفلسطينيين الذين قتلتْ منهم «إسرائيل» فقط في عدوانها الأخير على غزّة ما يزيد على 2200 شهيداً منهم حوالى ستمئة طفل وجرح ما يزيد على اثني عشر ألفاً سيلتحق بعضهم بصف الشهداء بينما سيعاني الآخرون من عاهات طيلة حياتهم.
أمام كل فعالية دولية كبرى كالدورة المقبلة للجمعية العامّة للأمم المتحدة والتي ستبدأ مداولاتها في الثاني والعشرين من أيلول الجاري، وانعقاد قمّة مجلس الأمن حول الإرهابيين الأجانب، لا بد من التذكير بحقائق الوضع المأسوي في منطقتنا وفي أنحاء أخرى ليست بالقليلة من عالمنا. وفي الوقت الذي لم نقم فيه سوى بإعادة رسم الصورة القائمة في منطقتنا بسبب الإرهاب المدعوم من قِبَل أطراف معينة في المجتمع الدولي، فإننا قدّمنا مجرّد محاولة تناولتْ مخاطر ذلك على البشرية في عصر العولمة وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة.
إنّ التعامي عن التطور الحاسم الذي شهدته سورية من خلال الانتخابات الرئاسية في حزيران الماضي والتي عبّرتْ عن التطلعات المشروعة للشعب السوري، سيساهم في مزيد من الدمار، فلقد سقطتْ مقولات دعاة الحرّية المشوّهة على يد الشعب السوري الذي مارس أرقى أشكال الديمقراطية والحريّة الحقيقية. فالشعب السوري شعب أصيل سيقضي بهمّة أبنائه وبواسل جيشه العربي السوري على الإرهاب والإرهابيين.
إنّ ثقتنا بالنفس لا حدود لها لأنّنا نمتلك الحق والقوّة للدفاع عن هذا الحق. وما التحوّل العميق الذي تشهده سورية الآن من خلال صمود جيشها وتخليص مزيد من المدن والقرى من سيطرة المجموعات الإرهابية في كافّة أنحاء الوطن، إلاَّ دليل على عظمة هذا البلد وجيشه وشعبه. وها هي المصالحات الوطنية في معظم أنحاء سورية تتعاظم في إطار إعادة لحمة الوطن الواحد والشعب الذي كان وسيبقى واحداً دائماً وإلى الأبد. وستتعاون سورية لتحقيق القضاء على الإرهاب العالمي والمحلّي مع كل الدول المخلصة في مكافحة الإرهاب في إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما أنّ سعي سورية لإقامة السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط على الأسس التي أشرنا إليها سابقاً لن يتوقّف.
إنّ رسالة سورية إلى العالم هي وجهها الحضاري والتزامها بقيم الحضارة العربية والإنسانية واستعدادها الذي لا يلين للدفاع عن سيادتها واستقلالها وكرامة شعبها وأمتها.
د. فيصل مقداد