ثورة أون لاين- د. أمين حطيط :
التقى قادة دول الحلف الاطلسي في “ويلز” البريطانية للبحث بما سمي الاخطار الداهمة من الشرق، «الخطر الروسي « عبر البوابة الاوكرانية و «الخطر الارهابي» عبر نافذة تنظيم «الدولة الارهابية في العراق و الشام « (داعش) . و قد خرج الحلفاء بقرارين يوحيان بوجود ارادة اطلسية حاسمة لمواجهة الخطرين بما يناسب كل منهما في طبيعته و ظرفه .
هدف القرار الاول لمواجهة روسيا و قطع الطريق عليها لمنعها من استعادة موقعها السابق عالميا و الحؤول دون احتلالها مقعداً متقدماً في نظام عالمي بدأ بالتشكل على اساس التعددية القطبية خلافا لما ارادته اميركا من تفرد بالقيادة العالمية، و هو مقعد فتحت الطريق اليه المتغيرات التي تحققت على المسرح الدولي.
وخاصة ما افرزته المواجهة المعقدة و المركبة في اوكرانيا، و ما نجم عن العدوان الصهيو اميركي على سورية . حيث وقفت روسيا الى جانبها مستفيدة من نتائج الصمود السوري ضد العدوان الصهيواميركي ما استفز الغرب و دفعه الى معاقبتها على ما قدمته لسورية من دعم في تلك الحرب الدفاعية .
أما القرار الثاني فقد جاء ظاهرا لمواجهة «داعش» تحت عنوان «محاربة الارهاب «، و خرج بصيغة تجعل حسن النية يصدق بأن اميركا ستقود جديا تحالفا دوليا فاعلا لتخليص العالم من وحشية هذا التنظيم الارهابي و جرائمه، دون ان يلتفت الى ما يمكن ان يكون قد اخفاه من قطب وافخاخ تجعل منه جسرا لتحقيق اهداف معاكسة .
ومع هذين القرارين يطرح السؤال عن مدى قدرة الغرب على تحقيق الاهداف الحقيقية التي رمى اليها من خلال ما اتخذه من مواقف جاهر بها، وخاصة أنها تشكل الى حد ما انحرافا عن المفهوم الاستراتيجي للناتو المعتمد منذ العام 2010.
نذكر بأن الناتو التزم في مفهومه الاستراتيجي الاخير بأمرين اساسيين، يتعلق الاول بطبيعة المواجهات التي سيخوضها فاعتمد نظرية الحروب البديلة و الظروف المولدة للازمات بما يتيح للغرب ادارتها و يسمح له بوضع اليد على مناطق الازمة دون الحاجة الى ارسال الجيوش التقليدية و فتح الجبهات و شن الحروب المكلفة له، وخاصة انه لم يتعاف بعد مما اصابه في افغانستان و العراق و لبنان، أما الثاني فقد نص على الانتقال العسكري االتدريجي من الشرق الاوسط الى الشرق الاقصى لاقامة الجدار الدفاعي الاستراتيجي المانع لتمدد العملاق الصيني بشكل يهدد المصالح الغربية وخاصة الاميركية .
نص القرار الاول على تشكيل قوة تدخل عسكري سريع و ارسالها الى الجوار الروسي، بما يشكل ظاهرا منحى استراتيجيا جديدا يختلف عن جوهر المفهوم المتقدم الذكر . و هو ما رأى الغرب ضرورته بعد ان وقف على خطأ حساباته في تقدير المستقبل الروسي، خطأ جاء نتيجة حتمية لأخطائه في تقدير او توقع نتائج خططه في سورية و الشرق الاوسط ثم في اوكرانيا و شرق أوروبا حيث كان الفشل حليفه في الميدانين، فشل اتاح لروسيا ان تعود الى المسرح الدولي بهذا الزخم المقلق للغرب.
في سورية ظن الغرب ان مسرحية التظاهرات المصطنعة ستقود سريعا الى اسقاط الدولة، فخاب ظنه و تكررت الخيبة مع كل خطة بديلة اعتمدها الغرب في سورية بدءا من خطة شرذمة الجيش وصولا الى خطط الحرب البديلة التي اعتمد الارهاب اساسا لها و مارسته القاعدة بفرعيها « النصرة « و داعش «، و لم تنحصر ارتدادات الاخفاق غربيا على الميدان السوري بل تمددت لتفتح الباب امام روسيا و تستدعيها للدخول الى الحلبة الدولية بوصفها قوة قادرة على بناء الموقع الاستراتيجي المؤثر عالميا و المساهمة في ارساء نظام عالمي جديد مخالف للرغبة الاميركية .
و عندما ذهب الغرب الى اوكرنيا بوصفها – حسب استراتيجييه – مفتاح التحكم بروسيا، فوجئ بالاخيرة تقود حربا دفاعية عن مصالحها القومية و عن فضائها الاستراتيجي بشكل ذكي و جريء اعتمد منطق الهجوم في معرض الدفاع، و جعل الغرب المستفز يتحول شيئا فشيئا الى مواقع الدفاع و ردود الفعل الانفعالية و هو يتابع ما تنجزه روسيا في ذاك البلد خلافا لما توخى .
استطاعت روسيا و بوقت قصير نسبيا ان تكون اللاعب الرئيسي في اوكرانيا و ان تجهض مفاعيل خطة الغرب ضدها و تدفعه الى خيار بين حلين اما تحويل اوكرانيا كلها الى منطقة عازلة بينها و بين الناتو و في ذلك خسارة للغرب و أمان كبير لروسيا يمنحها حرية التفرغ لمعالجة ملفات دولية اخرى تكون فيها نداً للغرب، او ان تقسم اوكرانيا و تنشأ على حدودها الغربية دولة تتبع لها و تشكل الدرع الواقي او المنطقة الامنية التي تحجب خطر الغرب عنها مترافقا مع القاء عبء ما تبقى من اوكرانيا على الغرب و هو القسم الفقير، و في ذلك ربح روسي مضاعف .
أرّق هذا المشهد الاوكراني الغرب الذي وجد نفسه في الحفرة التي اعدها لروسيا، و بات يخشى جديا ان تصبح اوكرانيا نموذجا تبني روسيا عليه سياستها و علاقتها مع دول الجوار بدءاً بجورجيا و تتمكن في النهاية من ان تقيم على حدودها قوسا استراتيجيا يؤمن لها الدفاع عبر الحدود في مواجهة خطط الناتو الرامية الى تهميشها و منعها من العودة الى تشكيل قوة عظمى تنازعه القرار الدولي، من اجل ذلك كان القرار الاطلسي بانشاء قوة تدخل سريع و الايحاء لروسيا بأن الاطلسي جاد في المواجهة العسكرية معها بعد ان فشلت المواجهة الاقتصادية و سياسة العقوبات في ثنيها عن العمل في اوكرانيا و عن دعم سورية . فهل سيكون لهذا التلويح مفاعيل تحقق اهداف الغرب ؟
نعتقد ان روسيا استبقت القرار بما هو اهم منه استراتيجيا، و قررت اعادة النظر بعقيدتها القتالية و اعتبار الناتو العدو التقليدي لها في استعادة لعقيدة الاتحاد السوفياتي فحققت الصلح مع الذات بالنسبة للجيش الذي كان أحمر منشّأ على العداء للرأسمالية الغربية و وجد نفسه في لحظة من اللحظات من غير عدو و من غير عقيدة فعلية تمكنه من التماسك و تطوير القدرات القتالية. و عندما تتخذ روسيا مثل هذا القرار تكون قد ازاحت كابوسا عن الصدر العسكري الروسي و شحنت معنويات الجيش بشحنة لا يعلم مداها إلا من عايش اوضاع مماثلة .
والأن وفي ضوء قرار روسيا بتغيير العقيدة، و قرار الناتو إنشاء قوات التدخل السريع نسأل هل ان المواجهة بين الطرفين ستنحدر الى الانفجار الميداني و تفتح الجبهات العسكرية ام سيكون هناك تراجع من احد االطرفين او مساكنة في حرب باردة ؟
إننا و بهدوء نقول ان الغرب أعجز من ان يقتدح حربا يعلم انه لن يجني منها الا الخسران، ففي المجال التقليدي يعجز الغرب عن توفير القوى اللازمة لمواجهة روسيا، و في المجال النووي يعلم الغرب انه ليس وحده يملك الازرار النووية، و لا ينسى الغرب ان لروسيا من الحلفاء الاقوياء الذين سيحولون دون تحقيق الغرب اي انتصار حتى و لو كان جزئيا محدودا . لذلك ارى ان قرار التلويح بالتدخل العسكري ضد روسيا هو نوع من التهويل و الحرب النفسية التي لن تغير في مواقف روسيا التي سلكت الاتجاه الصحيح الى الموقع الاستراتيجي الذي تؤهله لها جغرافيتها السياسية .
أما عل صعيد القرار الثاني و المتعلق بانشاء «التحالف الدولي لمحاربة الارهاب « الذي تمارسه «داعش «، فاننا و كما نقول دائما بان اميركا لا تريد الاجهاز على منتج ابتدعته و تستثمره في الميادين التي عجزت عن تحقيق النصر فيها، و لسنا بحاجة الى التذكير مجددا بأن اميركا لو كانت صادقة في حرب «داعش» لسلكت المسلك الناجع و الذي هو اسهل بكثير من المواجهة العسكرية، سلوك يبدأ بتجفيف مصادر القوة و النمو الداعشي و هي مصادر توجد جميعها في قبضة حلفاء اميركا و اتباعها من تركيا الى الخليج، تجفيف يترافق مع التعاون مع الجهات الصادقة في محاربة الارهاب بجدية و فعالية بالغة خاصة سورية و ايران اللتين ابدتا كل الاستعداد لذلك .
ان اميركا تعلم ان هذا السلوك (التنسيق و التجفيف)، سيفضي الى القضاء السريع على الارهاب الداعشي، خاصة اذا ترافق مع جهد اعلامي يحاصر هذا التنظيم، لا كما يحصل الآن حيث نجد الاعلام المسير اميركيا و غربيا في خدمة داعش . لكن اميركا ترفض القيام بشيء من ذلك و تجاهر برفضها التعاون مع محور المقاومة ضد الارهاب رغم جهوزية مكونات هذا المحور واستعدادها لخدمة الامن الاقليمي الدولي . لذلك تسارونا الشكوك بالموقف الاميركي الحقيقي و لا نرى قيمة فعلية لمشروع التحالف الدولي فيما خص داعش و هنا يبرز السؤال لماذا التحالف اذن ؟
إن أخطر ما يجول في الذهن حول قرار اميركا بانشاء «التحالف الدولي ضد الارهاب مقرونا بالترويج الاميركي بأن الحرب طويلة قد تستغرق عشر سنوات و بحاجة لاستراتيجية ملائمة لم توضع بعد، ان اخطر ما في الامر هو ما يمكن ان تضمره اميركا في الشأن إذا إننا و بعد ان اوضحنا قدرة اميركا على الوصول الى اهدافها ضد داعش و النصرة من غير تحالف دولي صاخب و الاكتفاء بتجفيف المصادر و تقديم المساعدة او اقله التنسيق مع الدول التي تشكل الآن مسرحا لارهاب هذين الفصيلين نرى ان اميركا تقول شيئا و تضمر شيئا آخر، فما هو هذا الشيء ؟
اننا نعتقد ان التوجه الحقيقي للحلف الاميركي هو ضد محور المقاومة ذاته، و من اجل ذلك تتمسك اميركا بمقولة رفض التعاون مع الحكومة السورية، و تؤكد عزمها للعمل مع جهات محلية في الميدان السوري لتقدم لهم الدعم الجوي هناك، و تفتح الباب امام «الاخطاء» العسكرية كما فعلت في افغانستان و ليبيا و اغارت طائراتها على القرى الآمنة و حفلات الاعراس وحولتها الى مآتم، تقتل ابرياء مدعية الخطأ الذي لا يعقبه حتى الاعتذار.
و عليه نرى قرارت الناتو في ويلز هي تهويل فيما خص روسيا و خداع تهويلي مع شيء من الضبط خاصة في العراق فيما خص داعش و اخواتها، و لكنها تشكل الخطة السابعة للعدوان على سورية و محور المقاومة بعد ان اسقطت سورية و حلفاؤها الخطط الست السابقة خلال السنوات الاربع الماضية . و تظن اميركا أن خطتها الجديدة قابلة للنجاح لما فيها من خدعة و توسيع قاعدة المشاركين .. و نظن ان ظنها خاطئ كما حساباتها السابقة.