الثورة – هفاف ميهوب:
في كتابه “العلم المَرِح” يشير الفيلسوف الألماني “نيتشه” إلى امتلاء تاريخ الفلسفة بفلاسفة مرضى.. مرضى جسد وروح وعقل، انعكس مرضهم على حياتهم، واتّضح في أفكارهم وكتاباتهم.. يشير إلى ذلك، وإلى ضرورة تعافي كلّ إنسان، قبل خوضه في الفلسفة، ومن أجل ألا ينعكس مرضه على أفكاره وفلسفته، فيجعلها متشائمة ومتألمة.
ربّما أشار “نيتشه” إلى هذا، بل وتناوله في غالبية مؤلفاته، لأنه كان من الفلاسفة المرضى، وهو بالرغم من تألمه الشديد، يطالب بالمزيد من الألم، ويشعرنا هذا بغرابة وتناقض فلسفته: “علينا أن نظلّ نلدُ أفكارنا باستمرارٍ، من خلال ألمنا، وأن نمنحها كما تفعل الأمهات، كلَّ ما لدينا من دمٍ وقلبٍ ونار، ورغبة وولع وعذاب ووعي وقَدر ومصير..
الألمُ الكبير وحده المنقذ الأخير للعقل، كمعلم للشكِّ الأكبر، الذي يعيد كلّ حقيقة مزيفة إلى حقيقتها، ويعيد الأمور إلى نصابها، ويقول كلمته الأخيرة”.. هذا عن “نيتشه”.
أما عن الفيلسوف الروماني “إميل سيوران” الذي تقبّل ألمه ونكبات دهره، فإنه وبالرغم من شعوره بالألم منذ لحظة ولادته التي رفضها، إلا أنه سعى للتعافي من مرضه هذا، وعبر الفلسفة التي وصفها: “ليس هناك من طريقة لتحمل نكبات الدهر، الواحدة تلو الأخرى، غير أن نحبّ فكرة النكبة نفسها، نجاحنا في ذلك يضع حداً للمفاجآت، نصبح أعلى درجة من كلّ ما يحدث، نُصبح ضحية لا تُقهر”.
يعترف هذان الفيلسوفان، بأنهما لم يعرفا في حياتهما إلا الألم، وبأنهما لم يشعرا أبداّ بالسعادة، وهو اعتراف غالبية الفلاسفة، ممن غادرتهم فأحجموا عنها ونسوها، تماماً كما فعل “شوبنهاور”، الفيلسوف الألماني الشهير بتشاؤمه، حتى في “فن العيش السعيد”، الكتاب الشهير برؤيته: “إن الركض وراء السعادة، يشبه في حماسته ركض صيادٍ وراء طريدة خيالية، ينتهي به الركض إلى السقوط في حفرة، والمعادل الواقعي لهذه الحفرة، ما هو إلا الوقوع في الشقاء والتعاسة، شقاءٌ هو مجموع كوارث، تشمل الألم والمعاناة والمرض، والخسائر والهمّ والغم والإفلاس، والهوان وفقدان ماء الوجه”.