لودميلا ندة.. حين تغدو الترجمة إبداعاً

يمن سليمان عباس:

الترجمة جسر العبور بين الثقافات، وهي أول عمليات التفاعل الحضاري والقيمي، ومن جسور الترجمة كان التلاقي بين الثقافات التي هي أجمل ما أنتجه الإنسان، وقد تطورت نظريات الترجمة حتى غدت علماً قائماً بحد ذاته ولبست كل ترجمة مقبولة أبداً.
في الحركة الثقافية السورية النشطة جداً استطاع المترجمون السوريون الإثبات أنهم الأكثر كفاءة وقدرة، من جيل المترجمين الأوائل إلى الجيل الشاب الذي يتابع اليوم هذا النشاط.
نقف اليوم عند بعض ملامح أو ما قدمته المترجمة الشابة الموهوبة لودميلا ندة، ومن الجميل أن نشير إلى تنبهها إلى ضرورة الترجمة من عيون الأدب العالمي للأطفال وكتابها الجديد الذي صدر عن اتحاد الكتاب العرب وحمل عنواناً “قلب بطل” وهو موجه للأطفال، قصص وحكايا مترجمة بسلاسة وقدرة على جعلها كأنها كتبت باللغة العربية.
قلب بطل
يضم هذا الكتاب الصغير مجموعة لا بأس بها من قصص مترجمة للأطفال في المرحلة العمرية التي تسمح لهم بتقبل مفاهيم الشجاعة والثقة والتحلي بالصفات الحميدة.. هذه القصص منتقاة بعناية لتمجد قيم الصداقة والأخوة والجمال وضرورة احترام الذات ومحبة الآخرين وتقديم العون والمساعدة لهم، لغتها سلسة.. قريبة.. مفهومة بالنسبة للأطفال ولا تحتاج لشرح كثير لإيصال الفكرة التربوية والأخلاقية والإنسانية المخبوءة في النصوص.
من القصة الأخيرة في الكتاب التي تتحدث عن الإرادة والتربية نقتبس المقطع التالي: (بعد حديثه مع الأم (ميغز) قرر ميكي أن يكون قطاً فحسب.. قط بكل الأحوال.. وهو الآن يعيش مع (بيغي وبول) ويحبه هذان الطفلان كثيراً.. ويمنحانه الكثير من الحليب، ولا يخافان أبداً من موائه وأصواته، لم يستطع ميكي أن ينسى أنه نشأ فأراً.
لذلك أصبح يغفو وبين يديه فأرة مطاطية قديمة من ألعاب الطفلين، وغالباً يقوم بزيارة عائلة (ميغز) في العش الداخلي شتاء حيث يقضم الجبن بهدوء وتأن، ويصدر صوتاً قصيراً متقطعاً كما كان يفعل في الزمن القديم، وبالطبع كان يراقب (هزل) ويتأكد من أنها لا تطوف ليلاً في غرفة المؤونة.
(أوه… إنني سمين جداً ومتخم من كثرة الطعام في غرفة المؤونة) هكذا كان الأب (ميغز) يخبر الأم (ميغز) بسعادة بالغة (لطالما أخبرتك أن (ميكي ميغز) سوف يكون نافعاً لعائلتنا.. وقد كان).
في ترجمتها للشعر العالمي تختار عيون الشعر ومن آخر ما قدمته ترجمتها قصائد للشّاعر اليونانيّ: يانيس رِتسوس، عن الإنجليزيّة ومن أجواء قصائده نقتطف:
في الثُّكنة
يدخلُ القمرُ الثّكنةَ
يفتّش في بطّانيّات الجُنود
يقبضُ على يدٍ عاريةٍ غافية
شخصٌ ما يُتمتمُ في نومه
شخصٌ ما يشخرُ عالياً
يومِئ ظلٌّ على الجدار الطّويل
لقد مرَّت آخر عربةٍ منذ قليل
كلُّ شيءٍ هادئٌ الآن
أيُعقَل أن يموتَ كلّ هؤلاءِ غداً؟
أيُعقَلُ أنّهم قد ماتوا حقّاً؟
يستيقظُ جنديٌّ من المُشاة
ينظرُ حوله بعينَين زجاجيّتَين
خيطٌ من دمٍ يسيلُ من شَفةِ القمر.

وفي التعريف بالشاعر تقول المترجمة: ولد رِتسوس في عائلةٍ ثريّة لكن سيّئة الحظّ، توفّي والده إثر إصابتهِ بالجُنون، وتوفّيت والدتُه وشقيقُه بمرضِ السّلّ و كان لا يزالُ صغيراً، ربّاه أحدُ أقاربه، درسَ لاحقاً بكليّة الحقوق في أثينا لفترة وجيزة في العام 1925، ودخل مستشفى السّلّ في العام 1927.
اهتمّ أيضاً بالتّمثيل والرّقص، وانضمّ إلى الحزب الشّيوعيّ اليوناني عام 1934 وهو العام الّذي ظهرت فيه مجموعته الأولى (جرّارات) تبعتها حالاً مجموعته (أهرامات) حيث مزجَ فيهما فلسفتَه الاشتراكيّة مع صورٍ حيّة من معاناته الشّخصيّة.
أثناء الاحتلال النّازيّ لليونان عام 1944، وبداية الحرب الأهليّة انضمّ رِتسوس إلى المتمرّدين الشّيوعيّين بعد هزيمتهم عام 1949، وتمّ اعتقاله وقضى أربع سنوات في معسكرات الاعتقال.
على الرّغم من اضطرابات حَياتهِ الكثيرة كتبَ أكثرَ من مئة كتابٍ ضمنها مسرحيّات ومقالات كثيرة، ويعدّ من أهمّ شعراء اليونان في التّاريخ المُعاصر.
ومن إبداع الشاعرة الأميركية (سارة تيسديل) نقتطف ما ترجمته ندة.
لن أكترث
بعدَ موتي
حينَ يُرخي عَليَّ ( نيسان) السّاطعُ
غدائرَ شَعره المُشبَع بالمطَر
وأنت تستندُ على قبري
بقلبٍ يسحقُه الأسى
لن أكترث..

حينها سأكونُ في سلامٍ سرمديّ
مثلَ الأشجارِ المُورقة
إذ ينهمر عليها ماءُ السّماءِ
فيُثني غصونها وتبقى هادئة
حينها سأبقى صامتةً وقلبي خالٍ من أي عاطفة
تماماً كحالكَ أنتَ الآن.
وسارة تيسديل: (1884-1933).. شاعرة أمريكيّة كتبت قصائد غنائيّة عذبة عن الحبّ والطّبيعة والسّلام، ذاع صيتُها في عالم الأدب منذُ الرّابعة والعشرين من عمرها، ولقد عانت من كآبةٍ حادّة في حياتها أودَت بها إلى الانتحار بجرعةٍ زائدة من الحبوب المنوِّمة.

اتّسمَ شِعرها بالوضوح والبساطة واتّخذَ شكلاً كلاسيكيّاً مألوفاً وقريباً.. وأنت تقرأ ما ترجمته لودميلا ندة، تشعر أنك أمام لغة تتراقص زهواً بالخيال والتوثب وجمال المعاني التي تجعلك تحلق في عوالم الإبداع الأصيل.

آخر الأخبار
تغيير اسم جامع "الرئيس" لـ "شهداء المشارقة" تخليداً للضحايا بحلب إطلاق مبادرة لإنشاء صندوق خدمي في سراقب بإدلب وزير الطوارئ يطّلع على المشاريع الخدمية في إدلب ويؤكد استمرار التوسع "الاتصالات " تطلق الاستمارة الرسمية لتسجيل بيانات الشركات الناشئة      موسم قمح هزيل جداً  في السويداء    استنفار ميداني للدفاع المدني لمواجهة حريق مصياف   رجل الأعمال قداح لـ"الثورة": مشاريعنا جزء بسيط من واجبنا تجاه الوطن   في أول استثمار لها.. "أول سيزون" تستلم فندق جونادا طرطوس وزير المالية يعلن خارطة إصلاح تبدأ بخمس مهن مالية جديدة   بدء الاكتتاب على المقاسم الصناعية في المدينة الصناعية بحلب  تسريع تنفيذ الاستثمارات الطموحة لتطوير الاتصالات والانترنت بالتعاون مع الإمارات  موقعان جاهزان لاستثمار فندق ومطعم بجبلة قريباً  صيانة شبكات الري وخطوط الضخ في ريف القنيطرة  في منحة البنك الدولي .. خبراء لـ"الثورة": تحسين وتعزيز استقرار الشبكة الكهربائية وزيادة بالوصل  وزير الطوارئ  من إدلب: دعم متواصل لإزالة الأنقاض وتحسين الخدمات  انطلاق المرحلة الثانية من الأولمبياد العلمي للصغار واليافعين  بطرطوس  إقلاع جديد لقطاع الطاقة في حلب... الشراكة بين الحكومة والمستثمرين تدخل حيز التنفيذ أزمة المياه في  دمشق ..معاناة تتفاقم بقوة  الشيباني يبحث مع السفير الصيني تعزيز التعاون الثنائي اتفاقية فض الاشتباك 1974.. وثيقة السلام الهشة بين سوريا وإسرائيل