الملحق الثقافي- نبيل فوزات نوفل:
صناعة التضليل والكذب وتزوير الحقائق مهمة دائمة للغرب الاستعماري،وما يجري في غزة اليوم تأكيد على هذه الحقيقة، وهي ليست شيئاً جديداً، فهم يجعلون من القاتل قتيلاً، ومن المقتول قاتل، فقد حاولوا خداع العالم بأن تبنوا الكذب الصهيوني حول ما يجري في غزة فزعموا أن المقاومين يتمركزون داخل المشافي لتبرير الهجوم الصهيوني على المشافي وقتل المرضى والأطفال، وتبين كذب هذا الكيان وأن المقاومين ليسوا موجودين في المشافي، كما ادعوا أن المقاومين يقتلون الأطفال والنساء وتبين كذبهم أيضاً، وادعوا تحقيق انتصارات على المقاومة وأنهم قادرون على الاقتحام البري لغزة لكن الوقائع على الأرض كذبت ذلك وغير ذلك الكثير.
والمتابع لتاريخ الصراع في المنطقة لا تعوزه الفطنة ليكتشف مدى استخدام القوى المعادية لكل أنواع الأسلحة ضد العرب وفي مقدمها سلاح الخديعة والكذب والتضليل وجوهره تحريف المفاهيم والمصطلحات، بهدف تمييع وحرف بوصلة الصراع وتقزيمه لما فيه مصلحة الكيان المغتصب،ففي تسمية الصراع تم العمل بشكل مكثف على استبدال كلمة صراع بـ»نزاع «فكثر تداول مصطلح النزاع العربي الصهيوني،ثم النزاع العربي -الإسرائيلي،ثم النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك بهدف تقزيم الصراع ،وإلغاء الطابع القومي عنه، وتحويل الصراع والقضية على بعض أمتار من الأرض، وليس على تاريخ وحضارة ووجود وحق مغتصب، وللأسف فقد وقع بعض العرب ومنهم بعض الفلسطينيين في فخ الخديعة فبدأنا نسمع طرح ما يسمى استقلالية القرار الفلسطيني، واكتفوا بإقامة ما يسمى السلطة الفلسطينية، لتكون الأداة لتدمير المقاومة الفلسطينية، وبيع حقوق الشعب العربي الفلسطيني والعربي للصهاينة،إن التأكيد على كلمة الصراع العربي- الصهيوني ضرورة وطنية وقومية وحضارية ،لأن الصراع بمضمونه العام هو تصادم الإرادات والقوى بين خصمين أو أكثر بهدف تحطيم الخصم كلياً أو جزئياً ،بحيث تسود إرادته على إرادة الخصم،وهذا الصراع يتسم بالشمولية، وله أبعاد تاريخية وأبعاد مجتمعية متكاملة، وسمات هذا الصراع، فهو صراع وجود،وصراع مصيري،وصراع قومي وحضاري ودولي.
ولقد دأب الإعلام الغربي وخاصة الأميركي في استخدام بعض المصطلحات للتغطية على الجرائم التي يقترفها الكيان الصهيوني، والقوى الإمبريالية الداعمة له ضد العرب عامة والفلسطينيين خاصة مثل:مصطلحات»المناطق المتنازع عليها» بدلاً من الحصار، و»المجاورات» بدلاً من المستوطنات و(المتعاونين مع الإسرائيليين) بدلاً من الخونة والعملاء،و(القتل الخطأ بسبب وجوده في منطقة الاشتباك ) بدلاً من القتل المتعمد للأبرياء،أما إطلاق النار العشوائي على الضحايا العزل «فهو مجرد حالة فردية» من جندي خانته أعصابه،أراد أن ينفس عن شحن غضبه،واستخدام(الجدار العازل) بدلاً من الحاجز العنصري،ومصطلح (دول الطوق) بدلاً من دول المواجهة،لإظهار هذا الكيان وكأنه حمامة السلام في المنطقة،واستبدال أسماء المدن والقرى الفلسطينية بأسماء يهودية وعبرية وغير ذلك.وهذا أسلوب ذو فاعلية في التأثير على الأفكار،وهكذا يصبح الفدائيون الفلسطينيون»الإرهابيين العرب»،ويصبح اسم حرب تشرين التحريرية»حرب يوم الغفران»، ويسمون حرب حزيران بـ»حرب الأيام الستة»، والحرم الشريف يتحول اسمه إلى «جبل المعبد»، والأراضي العربية المحتلة صار اسمها «الأراضي المستولى عليها» لدى مراسل شبكة التلفزيون (أي- بي-سي)، أما لدى مراسل (nbc) فهي «مناطق مدارة» أو «مستولى عليها»،وتشير صحيفة (نيويورك تايمز) إلى الاحتلال الصهيوني على أنه واحد من «أرحم الاحتلالات العسكرية عبر التاريخ».وأخذ بعض المراسلين الأميركيين في الكيان الصهيوني يستعمل نفس الوصف الذي يستخدمه الكيان الصهيوني بشأن الضفة الغربية لنهر الأردن على أنه «يهودا والسامرة»، وفي أعقاب الغارة الصهيونية التي نفذتها حكومة الاحتلال في فلسطين على بيروت عام 1973م،والتي استشهد فيها ثلاثة من كبار المناضلين الفلسطينيين في بيوتهم،وهم محمد يوسف النجار ،وكمال عدوان ،وكمال ناصر.كما قتل عدد كبير من الأبرياء المقيمين في المنطقة في أعقاب ذلك،رأت صحيفة /واشنطن بوست/ :»إن هذا العمل الإسرائيلي له (مبرراته المقبولة )لأنه افتعل نوعاً من العنف باعتبار أنه ضرب»الخطر والتهديد» الفلسطيني، ويركز الإعلام الأميركي في أفلامه على ثلاث أساطير ضد العرب،يمكن إجمالها بالآتي:
1-العرب أغنياء بشكل خرافي.
2- العرب متوحشون ومتخلفون.
3- العرب مهووسون جنسياً،ولهم ولع بالنساء الغربيات.
أما الكيان الصهيوني من وجهة نظر الإعلام الغربي وخاصة الأميركي فهو دولة ديمقراطية،متطورة، وصاحبة حق يحاول العرب طردها من أرضها،وأن العرب هم سبب مشكلة الفلسطينيين، لذلك عليهم إيجاد الحل لهم هم فقط،والعرب لا يملكون أي قيم حضارية، بل يملكون النفط، وهم سبب ذلك، هم سبب كل المصاعب الاقتصادية والضرائب، وارتفاع الأسعار والأزمات الاقتصادية في العالم، وهم يشوهون صورة العرب والمسلمين دائماً،وعندما يتحدثون عن القصف الصهيوني لأهداف عربية يقولون إنها قامت «بالانتقام»رداً على ما قام به «المخربون»من العرب، وكانت تُصور أن سبب ما تقوم به الكيان الصهيوني هو الوجود الفلسطيني في لبنان مثلاً:تعبير(الحرب من أجل السلام)،(عملية سلامة الجليل)،وأثناء الاعتداءات الصهيونية على لبنان عام 1981م وصف مستشار الرئيس الأميركي (ريتشارد آلين،)هذه الاعتداءات بأنها»مطاردة ساخنة» لها ما (يبررها).
وفي الحرب على العراق رأينا التشويه والتزوير،وفي مقدمتها تهمة امتلاكه السلاح الكيماوي الذين اعترفوا هم أنفسهم أنها تهمة غير حقيقية، وكذلك في الحرب على سورية، التي شنت خلالها الدول الغربية حملة من الافتراءات،أثبتت الأيام والسنوات كذبها، وأهمها استعمال سورية للسلاح الكيماوي وقتل المدنيين العزل وغير ذلك الكثير،هذا غيض من فيض،مما تقوم بها القوى الغربية بقيادة التلمودية العالمية لاستلاب العقل البشري فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني،عامة وما يتعلق بنضال الشعب العربي الفلسطيني. وما يجري اليوم في غزة هو ضمن سلسلة من الأكاذيب التي يستعملونها دائماً لدعم هذا الكيان الإرهابي، ولكن بالرغم من كل ذلك ،فقد انفضح أمر وحقيقة هذا الكيان، وعرف العالم بجرائم ومجازر هذا الكيان في غزة التي يندى لها حبين الإنسانية، وعبرت البشرية في أصقاع الأرض عن أدانتها لهذه الأعمال التي تعد جريمة ضد الإنسانية، بغض النظر عن رأي ودعم حكومات الغرب الاستعماري . ولمواجهة هذا التضليل الخطير ،على وذلك من خلال صنعها لا استيرادها فقط، وكسر احتكار الغرب لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والاستفادة من المغتربين العرب والشعوب الصديقة لنشر الحقيقة ،وتعرية تصرفات العدو الصهيوني وما تمارسه القوى الغربية بقيادة زعيمة الإرهاب العالمي أميركا، وتوثيق الجرائم الصهيونية والأميركية ونشرها في العالم عن طريق الأصدقاء والمؤسسات المستقلة المناهضة للسياسات الغربية الاستعمارية.
العدد 1170 – 5 -12 -2023