الثورة – فاتن دعبول:
بدأت دار مدى الثقافية، وبالتعاون مع وزارة الثقافة، طرح سلسلة من العناوين تحت مسمى “حكايانا”، خصصت الحلقة الأولى منها لحكايات التراث الشعبي الغنائي بين الحضور والنسيان، في مركز ثقافي “أبو رمانة” للباحث الموسيقي يوسف الجادر.
وبينت مدير دار مدى الثقافية ريم الشعار في تقديمها للأمسية، أن ثمة ثقافات عديدة عرفتها الأرض السورية، بعض هذه الثقافات ظهر فيها ويعضها جاء إليها واستقر فيها، والبعض الآخر عبر سريعاً، لكنه ترك أثراً على أرضها، منها ما اندثر ومنها ما بقي، ونجده اليوم في الأعياد الشعبية بأشكال متنوعة من الموسيقا والغناء والرقص.
وأشارت بدورها إلى أهمية البحث في التراث عن هذا الإرث الغني، الذي كان يحتفي بمناسبات الناس من زواج وولادة وزيارات لملوك وأعيان ومواسم حصاد، وغيرها من الأنشطة الإنسانية، ليكون هذا التراث ركيزة وقيمة جمالية إنسانية واجتماعية تنهل منها الأجيال وتتعلم معنى الحياة وقيمها العريقة.
إبداع جماعي
يقف الباحث يوسف الجادر عند أهم محطات بداية التراث الغنائي الشعبي، ويرى أن الأغنية الشعبية في الثقافات جميعها تعد من الفنون المجهولة المصدر، أو هي ذات مصدر جماعي يعبر عن الواقع بأبعاده المختلفة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتدخل في إطار الإبداع الجماعي، وهي الحامل الاجتماعي للمجتمع بتفاصيله وحالاته.
والأغنية الشعبية- كما يبين الباحث الموسيقي، مجهولة التاريخ أيضاً، يقولها أحدهم ثم يبدأ الآخرون بترديدها، وتنتشر بين الأوساط الشعبية انتشار النار في الهشيم، كونها تعبر عن مشاعر الناس وأحاسيسهم تجاه قضايا وجودية وفلسفية بسيطة غير منمقة.
لا شك أن الأغنية هي عميقة في التاريخ وترجع جذورها إلى طقوس الخصب في الحضارات القديمة، ولأهميتها التراثية عمل العديد من الباحثين على جمع هذه الأغاني الشعبية وتصنيفها ودراستها، ما أثرى المكتبة العالمية بكثير من الدراسات التي أسهمت في تطور دراسات الفلكلور ووضوح معالمه، ولكن رغم ذلك فالمكتبة العربية فقيرة في هذا النوع من الدراسات بالقياس إلى أوروبا وأمريكا.
إشكالية المصطلح
ويوضح الجادر الفرق بين الأغنية الشعبية والأغنية الفلكلورية، ففي الوقت الذي تعتمد فيه أغنية الفلكلور على اللحن الشعبي القديم المميز بالثبات والتواص “العتابا، الميجانا، الدلعونا” فإن الأغنية الشعبية لا تعتمد دائماً على اللحن القديم، وتمتاز باعتمادها على اللهجة العامية والوصول بمضمونها الشعبي إلى أعماق الناس وانتشارها بينهم.
وكان للمرأة دور في انتشار الأغنية الشعبية، فقد كانت تشارك في الأعمال اليومية والمواسم الزراعية، لتحفيز الرجال على العمل، على الرغم من أنها لا تبذل من الجهد ما يبذله الرجل، لكنها كانت تشارك في الغناء عبر حوارية بينها وبين شاب يعمل معها، ويبذل قصارى جهده لمجاراتها في العمل.
الموليّا والسويحلي
وبين الباحث الموسيقي أن الموليّا هي شكل من أشكال الغناء الشعبي الفراتي، واشتهر منه “مولية بني عصيد” وهناك الكثير من الشعراء والمغنين عرفوا بأدائهم لهذا النوع من الغناء، وهي تغنى على مقام البيات أو النهاوند وتغنى في الأفراح والأعراس، وتتميز بسلاسة الجمل الشعرية واللحنية.
ومن أنواعها “الموليا” الديرية وهي على مقام الصبا، وتتميز بتكرار اللازمة الغنائية أثناء الانتقال من مولية لأخرى، كي يتسنى للشاعر أن ينقل أحاسيسه بأداء المولية الجديدة.
أما حكاية السويحلي، فهي اللهج الغنائي المنتشر على ضفاف الفرات، ويعبر عن مشاعر المغني وعلاقته بالمكان، وجميع هذه الأنواع من الغناء لا تزال تحفظ في الصدور، وهي جزء من الذاكرة الشعبية، وتحمل في طياتها الكثير من القصص والحكايات التي تؤكد على قدرة الإنسان على جعل البسيط أكثر عمقا عبر وسائط بسيطة، فغالبا ما يكون الغناء بلا ناي أو شبابة أو أي آلة إيقاعية، بل يترك لصوته العنان لينطلق وينتشر في الوديان ويخلق أصداء نستمتع بها.
التوثيق حاجة وضرورة
وأكد الحضور عبر مداخلاتهم على أهمية حفظ هذا التراث الغنائي الهام الذي يحمل في مضمونه عادات وتقاليد وثقافة المجتمع السوري، وخصوصاً أن كبار السن يرحلون وترحل معهم هذه الذاكرة، وأكد الباحث أنه يعمل قدر المستطاع لتوثيق ما يستطيع باللحن والكلمة، ولكن المشروع يحتاج لجهة مسؤولة تتبنى هذا المشروع الهام.