العالم يتغير، حقيقة باتت أوضح من الشمس في عز الظهيرة، خرائط تتبدل وتحالفات جديدة تتشكل، والحرب في أوكرانيا، مفتاح التغيير الرئيسي، صراع بات مفتوحاً على العالم بأسره وعلى مستقبل النظام الدولي الذي يتغير كتغير القارات وتشكلها من جديد، عالم قديم تغرب شمسه الصفراء الشاحبة، لكنه متعنت لا يريد أن يخلي مواقعه المهزومة، وعالم جديد يولد وتتضح معالمه، عبر انهيار أساطير وتحالفات القوة التي ظن العالم يوماً أنها لا تقهر.
المؤشرات كثيرة على أن العالم يعيش لحظة انتظار مولود جديد، قد يكون متعدد الأقطاب، لكن ما يبعث على القلق هو شبح حرب باردة جديدة تلوح في الأفق يترافق مع الحرب في أوكرانيا، ولن يتوقف هذا الشبح بعد أن تضع الحرب أوزارها على ما يبدو، فالغطرسة راسخة في العظم الغربي لن يغيرها الزمن حتى لو هزم الغرب كله على عتبات روسيا.
الحرب في أوكرانيا ستتوقف في أي وقت، لكن صراعاً جديداً سيبدأ محوره إرساء النظام العالمي الجديد ولاعبوه الأساسيون أمريكا وروسيا والصين، والهدف الصيني الروسي الذي لا رجوع عنه هو النهوض بجسد عالمي متعدد الأقطاب يقوم على لعبة المصالح والمنفعة المشتركة واحترام سيادة الآخرين في قواعد اللعبة الدولية المعقدة.
العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا كشفت أن العالم بانتظار ولادة نظام جديد بكل الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولعل من أدق الوصف ما قالته صحيفة الإيكونوميست البريطانية، إن انخفاض وزن الولايات المتحدة، ومقدار تأثيرها في الاقتصاد العالمي، سمح بظهور مثل هذه التحولات في الساحة العالمية.
العالم مر بمراحل مختلفة من النظم العالمية، وليست هذه المرة الأولى التي يتوقع فيها ولادة عالم جديد، فقد شهد العالم النظام متعدد الأقطاب، كما كان الحال ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، أو نظام القطبين، كما كان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حينما تربعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على عرش النظام الدولي.
والحقيقة الأكيدة أن العالم لم يعد أسيراً لقوة عظمى وحيدة، والتحدي بالنسبة للولايات المتحدة بات كبيراً، بعد الهزيمة على أبواب موسكو، هذه الهزيمة التي وإن لم تتبلور بعد بشكلها النهائي هزت النظام الدولي في العمق ورسمت خط النهاية لهيمنة النظام الغربي على العالم.
منهل إبراهيم