تسعينيات القرن الماضي انتشرت ظاهرة جامعي الأموال، إذ قام بعض رجال الأعمال بجمع مئات الملايين من آلاف السوريين بحجة استثمارها، ومنحهم فوائد مرتفعة، لينتهي المشهد بمغادرة رجال الأعمال واختفاء الأموال، وأذكر حينها كان هناك شركة اسمها “الحبيب” جمعت مبالغ كبيرة، واختفت فجأة، وضاعت معها الأموال، وحينها أصبحت أغنية سميرة توفيق “دوروا لي عالحبيب” الأغنية الأولى في عدد من المدن والأرياف.
سنة 2020 تعرّض عدد كبير من الدمشقيين، ولاسيما “الجوابرة” لعملية احتيال صُنفت بأنها الأكبر التي شهدتها سوريا، إذ جمعت شركة “زنبركجي” مليارات الليرات السورية، بداعي تشغيلها، ومنحهم مبالغ شهرية مجزية لقاء ذلك، ليتبين لاحقاً أن هذه الشركة غير مرخصة، وتم إقفالها بالشمع الأحمر من قبل الجهات المعنية، فذهبت الأموال واختفت، وقد غمز البعض حينها أن العملية ليست بعيدة عن “مافيات السلطة”.
قبل أيام تمّ إغلاق منصّة “دبيبو للتداول الرقمي” بعد أن جمع صاحب التطبيق مليار دولار واختفى في أحدث عملية احتيال تقني وزمني، بعد أن شهدت سوريا خلال الأشهر الماضية تزايداً ملحوظاً في عمليات الاحتيال الإلكتروني، وهو ما حذر منه مصرف سوريا المركزي.
القاسم المشترك بين ما حدث في التسعينيات وعام 2020 وبالأمس، أمران لا ثالث لهما:
الأمر الاول بحث السوريين عن قنوات استثمارية لتشغيل مدخراتهم في مكان “آمن” من تسلط الجهات الرسمية التي دفعت الناس للبحث عن توظيف أموالهم بعيداً عن أعينها، والمبالغ التي أودعت في المصارف اللبنانية تأتي في هذا الإطار.
الأمر الثاني: يتعلق بفشل النظام المصرفي بكسب ثقة الناس في إيداع مدخراتهم بالمصارف، وهم بالمطلق على حق وما يعانيه المودعون اليوم من عدم إمكانية سحب مدخراتهم خير دليل.
كثير من أموال السوريين مخبأة في المنازل، بعد حبس سيولة المصارف، وعجز مودعيها عن سحبها، وبسبب سياسات مصرفية غير “حمائية ولا تتمتع بالسرية والاستقلالية”، إذ تمّت مصادرة الأموال، وملاحقة الناس بطرق تعسفية بعيدة عن القانون.
وضع المصارف اليوم ليس أفضل من الأمس، بل بات الوضع أكثر غموضاً وتعقيداً، ولابدّ من تغيير السياسات النقدية والمصرفية وإبعاد المصارف عن تجاذبات المشهد كي لا تفقد هذه المصارف آخر ما تملكه من رصيد لدى الشارع السوري، وكي تكون نقطة انطلاق لتوطين الاستثمار وتوظيف المدخرات.