الثورة – ترجمة ختام أحمد:
إن حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة تتعلق بتهجير السكان والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني الذي يتم تنفيذه بوحشية وبشكل متعمد، ولإسرائيل أهداف استراتيجية أكثر في هذه الحرب بدأت تنكشف بالتتابع، وإن ضخامة الجرائم المرتكبة وطبيعتها الواسعة النطاق ستكون بمثابة الغطاء المثالي لتحقيق هذه الأهداف.
كان أحد الأهداف واضحاً وضوح الشمس منذ البداية: التدمير واسع النطاق، فقد توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالإبادة الجماعية والعنف والدمار، وقد استكمل ذلك عدد كبير من المسؤولين الذين تعهدوا بـ “القضاء على كل شيء في غزة” وتحويلها إلى ” مدينة الخيام “، بينما قام آخرون بتطبيع المذبحة الموعودة من خلال التجريد الممنهج من إنسانيتهم، حيث أطلق على الفلسطينيين اسم ” الحيوانات البشرية “، و” أطفال الظلام “، بل إن مسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك الرئيس الإسرائيلي، ذهبوا إلى حد القول إنه لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة.
والهدف الآخر لهذه الحرب هو تعزيز هدف نتنياهو المتمثل في سحق الطموحات الفلسطينية لإقامة دولة، وعلى الرغم من وعد الإدارة الأمريكية بأن “إسرائيل” ليس لديها أي نية لاحتلال غزة أو السيطرة عليها، إلا أنها تقول الآن إنها ستحتفظ “بالسيطرة الأمنية” إلى أجل غير مسمى على القطاع.
ويتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن حرب طويلة الأمد ستستمر لأشهر، وستؤدي إلى تقليص القطاع الصغير من خلال فرض “مناطق عازلة” كبيرة مهجورة في شمال وشرق غزة، وعلى الرغم من الرد الخطابي من جانب إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي، فإن القادة الغربيين منخرطون الآن في مناقشات حول هذه القضية.
لكن الهدف الأكثر استراتيجية لنتنياهو هو تهجير السكان والتطهير العرقي، الذي يتم تنفيذه على مراحل وحشية ومتعمدة.
في البداية جاءت المجاعة والحصار.. وقطعت “إسرائيل” الماء والغذاء والوقود والأدوية عن غزة. وبدلاً من رفض جريمة الحرب هذه، قامت حكومات العالم بتطبيع هذه السياسة الإجرامية وإضفاء الشرعية عليها، والتزموا بالحصار الإسرائيلي الخانق على المساعدات الإنسانية، والذي تقرر فيه حجم المساعدات التي تدخل غزة، بعد أن قطعت في البداية إمدادات المياه والغذاء والدواء والوقود.
وفي الوقت نفسه تقريباً، أمرت “إسرائيل” 1.2 مليون فلسطيني ووكالات إنسانية دولية بمغادرة شمال غزة، مصحوبة بحملة لا هوادة فيها لمحو الخدمات الصحية بالكامل هناك، مما جعل المنطقة غير صالحة للسكن تماماً.
أما الغزو البري للجنوب فهو المرحلة الثانية الأكثر وحشية، وقد صدرت الأوامر لمئات الآلاف من السكان والنازحين بمغادرة خان يونس والتوجه إلى رفح، حيث تتعرض الأجزاء الشرقية والوسطى من هذه المدينة الكبيرة للقصف العنيف.
وكما كشف أحد التحقيقات مؤخراً، فإن “إسرائيل” تمارس عمداً ضغوطاً ضد المدنيين على السكان من خلال استهداف ومحو أحياء بأكملها، بالإضافة إلى القتل الجماعي. وهذا المحو متعمد ولا يحدث من قبيل الصدفة، مما يفضح مزاعم المحاولات الإسرائيلية لتجنيب المدنيين باعتباره مهزلة قاسية.
ويخدم هذا الضغط هدف التهجير القسري الكامل، أو في أحسن الأحوال ” تقليص عدد السكان في غزة”. وقد كلف نتنياهو رون ديرمر بصياغة الخطة لتحقيق هذه الغاية. وحتى لو لم يتم تنفيذ الطرد الكامل، فإن الخطة تتوقع أن يتم دفع أجزاء كبيرة من سكان غزة إلى مصر أو منحهم فرصة للفرار إلى البحر.
لقد تم تطبيع هذا التطهير العرقي المخطط له، بل وتم الدفع به كحل إنساني. وفي الولايات المتحدة، قام كبار المشرعين الأمريكيين بمراجعة خطط لجعل المساعدات المقدمة للدول العربية مشروطة باستيعابهم للفلسطينيين من غزة، الأمر الذي أسعد دافعي السياسات العنصرية اليمينية مثل دانييل بايبس.
واليوم، فإن الغالبية العظمى من سكان غزة مشردون وعلى حافة المجاعة. وفي ظل التقاعس الدولي والتواطؤ الصريح، وصلت الوكالات الإنسانية إلى نقطة الانهيار، وغير قادرة على تلبية الاحتياجات الهائلة لهذه الأزمة الكارثية التي هندستها “إسرائيل”.
وفي مثل هذه البيئة يصبح التطهير العرقي أمراً لا مفر منه مع استخدام الإبادة الجماعية المستمرة في غزة كوسيلة لتحقيق أهدافها المنشودة وصناعة نكبة 2023.
المصدر – موندويس
التالي