الثورة – فاتن دعبول:
تصدرت لوحاته أهم المعارض الدولية، واستقرت عبر رحلتها العالمية في القصور والمتاحف والصالات الكبيرة، وقيل عنه الكثير وليس آخرها ما كتبه الإعلامي الألماني بلوتكة تحت عنوان “ناظم الألوان”، حيث قال:
“علي سليمان يمتلك القدرة والثقة بالنفس الثائرة التي يحتاجها كل فنان يريد التحليق فوق المتوسط، إنه مؤلف للقصص الخرافية والأساطير ومصور للأحلام والطبيعة السورية والتراث، يحكي بالألوان كما الشاعر بالكلمات، وله إيقاع موسيقي في أعماله وأبياته.”
وفي معرضه الذي أقيم في صالة الشعب ضمن فعاليات أيام الفن التشكيلي السوري، وحمل عنوان “بعد تفاحة آدم والعشاء الأخير”، توقف سليمان عند عنوان المعرض ليبين أن التاريخ يسجل في سفره الكثير من الحضارات الكبيرة والتي كان لها دور كبير في التطور، ولكنها تقضي وتزول بفعل الحروب، ولكن بلادنا لم تذهب إلى الحرب يوماً، بل كانت الحروب تسعى إليها طمعاً في ثرواتها وموقعها الجغرافي وغناها الثقافي، ونحن شعوب مسالمة، متأملة ومتصوفة، وكم نتوق إلى التعافي والمحبة، المحبة هي الحصن الأخير، كما الفن أيضاً.
كبوة ثقافية
و”تفاحة آدم” مفردة قد تحيلنا إلى دلالات جمالية وفكرية عميقة، وربما تحمل في مضمونها أكثر من معنى، لكن الفنان التشكيلي علي سليمان يرى أن تفاحة آدم هي كبوة ثقافية، لأننا اليوم وبعد سنوات الحرب الطويلة نعيش أزمة حقيقية تركت أثرها على المتلقي وخلقت غيوماً وضباباً بينه وبين الفن.
ويرى أن الفن يحتاج إلى نوع من الرفاهية، وكذا المجتمع لخلق هوية ثقافية متطورة، فلا فن مع الاحتياج والأزمات والفقر، وهذا ما نلاحظه من انكفاء الجمهور عن ارتياد المعارض، ما يدفعنا للقول بأننا نحتاج إلى حملة إنقاذ، إنقاذ المجتمع والفنان في الآن نفسه، لأننا في الحقيقة نعاني أزمة حرب والتي تخلق طبقة من السماسرة والمتطفلين على الفن، يستغلون السوق الفنية في الدول المجاورة والدول الأوروبية.
63 عاماً من الفن
وفي حديثه المليء بالشجون يتحدث سليمان عن حال الفنانين الذي انقسموا إلى قسمين، فمنهم من اختار الهجرة بحثاً عن سوق رائجة للوحاته لأنها تمثل مصدر رزقه، ومن كان خياره البقاء في بلده وهو واحد منهم، فعشقه لتلك البلاد فاق أي رغبة أخرى، رغم أن الفرصة متاحة ليكون في ألمانيا وهو العضو الأكاديمي فيها، لكن تمسكه بذكرياته وكل شيء في موطنه يجعله أكثر التصاقاً ببلاده التي تسكن روحه وقلبه، يقول:
“كنت أرسم برلين، وحين أوقع على اللوحة أجد نفسي قد رسمت دمشق، إنها مخزوني البصري ومفرداتي المحببة” فشوقه لدمشق جعلها تعيش في أعماقه وأحاسيسه دائماً وكانت هاجسه وفعله الفني الهام”.
ويقول: قضيت أكثر من 60 عاماً في الفن وهذا معرضي الفردي 63 وعندي 42 معرضاً مشتركاً، ويضم هذا المعرض 20 لوحة استخدمت فيها تقنيات خضعت للتطور في مخبر مرسمي، ولكني ما زلت كلاسيكياً وأستخدم الريشة واللون، أرسم على القماش بالأكرليك والزيتي، على الرغم من أني أدرّس في الجامعة التقنيات الحديثة ليستطيع الطالب تعلم كيف يمكنه خلق عدد كبير من درجات اللون الواحد من خلال الريشة ومزج الألوان.
بأقل الخسائر
وعند سؤاله عن طموحه وتطلعاته، كان رده “أنا متفائل بأننا سنتجاوز الأزمة بأقل الخسائر” وذلك بالمحبة والحوار والانفتاح على الأهل والأصدقاء، وأن نستعين بالحكماء بعيداً عن الطفيليين، والاهتمام بشكل أكبر بتطوير المجتمع والعناية بالفن ليأخذ مكانته التي تليق به، فالفن وثيقة هامة تؤرخ لمرحلة وتاريخ من عمر البشرية، وهو قادر أن يفتح آفاقاً على الآخر وقادر أيضاً على تنمية الذائقة البصرية لدى الجمهور المتلقي، وهذا يحتاج بالطبع استقراراً وازدهاراً اقتصادياً وفكرياً وثقافياً.
ويختم: “الله يفرّج على بلدنا سورية، ونعيش حياة أكثر أماناً بين جنبات بلادنا وعلى أرضنا وبين أصدقائنا، بمحبة وسلام ونحن من يزرع السلام في قلوب الجميع، ليزدهر الفن كما عرفناه دائماً في صالات العرض جميعها.
الفنان التشكيلي علي سليمان: ولد في العام 1955 في طرابلس، أحب الفن، وبدأ يرسم منذ طفولته، انتقل إلى حمص حيث تابع دراسته في مركز الفنون التشكيلية، وتابع دراسته الأكاديمية في كلية الفنون في برلين وحصل على أعلى الشهادات في مجال الفنون، وأنتج أعمالاً كثيرة في برلين، وقدم دمشق وبرلين في كثير من لوحاته” دمشق بالليل، دمشق والموسيقا” وغيرها.
له العديد من المعارض الهامة وملتقيات الفن الدولية واقتنيت أعماله من الصالات والمجموعات الخاصة والقصور والمتاحف، وحقق إنجازاً فنياً وشخصية أصبحت معروفة، ونال الكثير من التكريم والجوائز على الصعيد المحلي والدولي، وعاد إلى سورية يحمل إنتاجاً كبيراً من الأعمال.