كلما استغرقتك الثقافة ودروبها الفكرية، تكتشف يوماً إثر آخر لغناها حتى وإن تخصصت في مجال معين سواء أكان مسرحياً أو سينمائياً أو عالم الكتب، فإنك تغتني بعوالمك الخاصة التي اخترتها لقربها من روحك، لكن في الوفت ذاته لايمنع أن تقترب من كل العوالم الثقافية الأخرى.
هذا الاقتراب يمنحنا فرصة لإعادة اكتشاف الذات وتغيير معطيات علقت بنا دهرًا، إن الابتعاد عن اختصاصنا دون هجره، يسحبنا نحو تجديد عميق نتعمد بعده تحديث مجالنا، كأننا أعدنا شحن ذاتنا ومعرفتنا في الوقت ذاته.
غالباً حين نصر على البدء من جديد منسحبين من كل الشوائب التي علقت بنا، فإنها بمثابة هبّة زمنية جديدة.
كل مايهمنا حينها تلك الخلاصات العميقة والحكم التي نستخلصها بعد تفكير عميق بقيم الفكر والفن.
التجديد الذي نسعى إليه، يشبه انسحاب الموج بعد هجوم آني على الشاطئ ومن ثم الالتفاف نحو المحيط لنعود بقوة أكبر.
لماذا نحتاج إلى كل هذا التجدد، لأننا في لحظة نشعر أننا ندور في المكان، لانتمكن من التقاط دوافع تحثنا على إنجاز شيء مختلف.
حينها يبدو لكل شيء انبثاق محدود، ولكن حين نبتعد وننتهز فرصة المد والجزر فإننا نولف ذاتنا، ونعود محملين بخبرة تختمر وتتقد لتفضي بنا إلى دروب فكرية تمكننا من إعطاء أفضل مالديك.
الدوران في المكان يعيق تمرير سجالاتنا الفكرية، بينما التجديد يأخذنا إلى أمكنة أعم وأشمل لنتعرف على مقومات وخصائص كلما حللناها بشكل مختلف، نتمكن من إعادة تركيبها مجددًا سعيًا لاكتشاف مناطق فكرية جديدة.
بالتأكيد لن نكتفي بالمعرفة والاكتشاف، بل يفترض مزج كل هذه المعارف بخبراتنا القديمة كي تعطينا فرصة فكرية وحياتية مغايرة نتمكن بعدها من تغيير طريقة تعاطينا مع الظرف الموضوعي مهما كان صعباً، كي تصبح الفرضيات لمصلحتنا.