أحياناً.. يكون السبب الذي يجعلنا ندخل إحدى العلاقات، هو ذاته السبب الذي يجعلنا نُنهيها ونخرج منها..
(الملل).. أو عدم الصبر.. أو فقدان الرغبة بتمرير الوقت في شيء لن يكون وفق النتائج المأمولة.
هل تزداد سرعتنا في تمضية العلاقات وإقصائها من حياتنا، مع الوقت..؟
مؤخراً تلمستْ داخلها طباعَاً (ملولةٍ).. كأنها واحدة أخرى تتعرّف عليها حديثاً.
فيما مضى كانت ذات باع طويل في استيعاب صخب العلاقات وذهنية الآخر..
أما الآن.. فتُقصي أي شيء يؤذي هدوءَها وتوازنها.
وكأن قدرتها اللافتة في مصاحبة ذاتها، أصبحتْ أكثر عاداتها استجلاباً لراحتها..
فلا شيءَ قادر على هزّ انسجامها مع فضائل صحبتها (لأناها).. أو لوحدتها وفق تعبير المخرج السينمائي (أندريه تاركوفسكي) حين سُئِل عما يودّ إخباره للناس متحدّثاً عن فضائل الوحدة: (على كلّ إنسان أن يتعلم منذ نعومه أظفاره كيف يستمتع بصحبة ذاته، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون مهجوراً ومتوحداً، بل يعني أنه يجب ألّا يملّ صحبة نفسه، لأن من يملّون صحبة أنفسهم هم أناس في مهلكةٍ موبقة على صعيد احترامهم لذواتهم)..
ما تفعله، أنها حين تملّ كلّ شيء، لا تضجر من صحبة نفسها.
إذ يحصل أن نجد الجمال والسعادة في أشياء غير متوقعة وغاية في البساطة.. فقط نحتاج خبرة الرؤية الصائبة.
لعلنا ندخل العلاقات أو ننشِئها حتى نزيحَ شبح الملل أو الوحدة عنا، وحين نكتشف أنها تزيد من حضور أي منهما، نُنهيها.
فالعلاقات مثمرة وإيجابية حين تجعلنا نمتلك السعادة بصحبة الآخر على التوازي مما نجده بصحبة أنفسنا.
هل يعني ذلك أننا نكون بدأنا باعتبار الآخر جزءاً من (الأنا)..؟
ما المقياس أو المؤشر الذي يدفعنا إلى رؤيته على ذلك النحو..؟
أيكون زمن العلاقة.. مدّتها..
جودتها.. أو صدقيتها..؟
ربما هو مدى ما تحقق من انسجام روحي وتناغم فكري، واللذين يندر حدوثهما حالياً، في زمن الفوضى والسرعة بتحصيل علاقات آنية تستعجل غاياتها.
كان (برتراند راسل) يدعو إلى التعود منذ الطفولة على (الجلوس في وحدة وخلوة مع الذات)..
تقتنع تماماً أن علاقتنا بالآخر تنجح حين نجالسه وكما لو أننا في (خلوة مع ذاتنا)..
من يجذبنا كأننا مع أنفسنا متمثلةً بجسدٍ ثانٍ..
من نستحضر بوجوده أجمل نسخة من (أنا)..
بتعبير أدق.. نحن لا نستحضرها إنما توجد من تلقاء نفسها.