الثورة – هفاف ميهوب:
تذكّرنا هذه الأيام التي ينشغل فيها العالم بأكمله، بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وينشغل أبناء غزّة، بالبحث عما تبقّى لهم، من أشلاءِ حياة دمّرتها آلة الحقد الإسرائيلية، تذكّرنا بالقصيدة التي يقول فيها الشاعر الفلسطيني “معين بسيسو”:
“هذي هي الحسناء غزّة في مآتمها تدورْ/ مابين جوعى في الخيامِ، وبين عطشى في القبورْ/. ومعذّبٌ يقتاتُ من دمهِ، ويعتصر الجذورْ”.
إنها القصيدة التي وصفت حال غزّة في ماضٍ، هاهي تعيشه في حاضرها.. غزّة الجميلة التي لم يزدها تفاقم أحقاد المحتل عليها وعلى أهلها، إلا إصراراً على إذلاله ورفضه، ومواجهته حتى بما تبقّى من حطامها وأشلائها.
هذه الجميلة اليوم، لا تضيء شجرة الميلاد، ولا تودّع عاماً مضى وتُبارك بالقادم من الأعوام، بل تحيلُ النور الذي في قلبها، إلى نارٍ تحرق العدوّ الذي تمادى في وحشيّته تجاهها.
نعم، غزّة لا تحتفل اليوم، بل تسعى لترتيب ما تراكم فيها من آلامٍ وهموم وجراح، ولإزالة أكوامِ الأشلاءِ من ساحاتٍ، لم يعد يقطنها إلا الموت والدم المُباح.. تفعل ذلك كما كُثر من أحبّتها وأشقّاء وجعها، ومثقّفيها وكتّابها وشعراء قلبها.
هاهو شاعرها المقاوم “صلاح أبو لاوي” يعيش حالها.. يلوذ كلّ ليلٍ بآلامها، يساهر ويلها ويضمّد أحزانها. يكتبها الحبيبة القديمة والجديدة، وبدمعهِ ومفردات القصيدة:
“آخر الليلِ/ والليلُ يمضي إلى غيرِ رجعةْ/ أرتّبُ قلبي/ وأزرعُ نفسي اليباب وروداً/ وأمسحُ عن عينِ حزنيَ/ آخر دمعةْ/ وأشعلُ شمعةْ”.
هكذا تحتفل غزة بأعيادها، وهكذا يحتفل جميع أحبّتها وأبناء أرضها.. تحتفل وهي تحتضر، دون أن يغادرها الأمل بأنها ستحيا وتنتصر.
إنه احتفالها على مدى نكبتها، ونزيف أرضها وتشرّد شعبها، وإن كان “أبو لاوي” وغيره من شعرائها حالياً، قد أشاروا إلى أن أعياد اليوم تزورها بطريقةٍ أليمة، فإن الشاعرة “فدوى طوقان” كانت قد أشارت ذات ماضٍ، بأن أكثر من يشعر بآلام هذه الأعياد في فلسطين، الأسيرات واللاجئات اللواتي وصفت حالهنّ، في قصيدةٍ قالت فيها عن ألمهنّ الدفين:
“واليوم.. ماذا اليوم غير الذكرياتِ ونارها؟..
واليوم.. ماذا غير قصّةِ بؤسـكنَّ وعـارها؟..
لا الدار دارٌ, لا.. ولا كالأمسِ، هذا العيد عيدُ..
هل يعرفُ الأعياد أو أفراحها روحٌ طريدُ؟!..”.
كلّ هذي القصائد، وسواها مما لم نذكره، هي أناشيدُ حزنٍ رتّلتها الحسناء غزّة في أعيادها، بل هي صلاةٌ كانت “طوقان” أوّل من رتّل مفرداتها..
كان ذلك، عندما استقبلت عام 1958، بـ”صلاة إلى العام الجديد”، القصيدة التي لا ينساها أبناء فلسطين، بل ويواجهون اليوم العام القادم، بسؤالها القديم ـ الجديد:
“ما الذي تحملهُ من أجلنا؟/ ماذا لديك؟!.