الثورة – فاتن دعبول:
لم تكن صلوات الكنائس في هذا العام، وفي عيد الميلاد المجيد لتمر، من دون أن تتوجه إلى الله بالدعوات السامية لأهل غزة وأطفالها بأن يحل السلام في ربوع بلادهم، التي تحولت إلى كتلة مشتعلة من الدمار والخراب والقتل والتهجير، فدموع الأطفال تحولت إلى جمرات تكوي قلوبنا حزناً وكمداً على طفولتهم المسلوبة، ولا تزال ترانيم تلك الطفلة التي تتسول خيمة تقيها برد الشتاء وقسوة الحرمان ترن في آذاننا، وصيحات أطفال فقدوا ذويهم وباتوا وكأنهم ريش هائم في مهب الريح، تعتصر أرواحنا.
وتلك الصور التي لا تريد أن تبرح ذاكرتنا لما نشاهده على الفضائيات من أشكال التعذيب والقهر، ولكن في تلك اللحظات القاسية وفي يوم الميلاد ذاك اليوم المقدس ارتأت جمعية حقوق الطفل أن تقف تضامناً مع أطفال غزة، فكتب أطفالها رسائلهم واحتشدوا في ساحة المسجد الأموي ليهتفوا باسم فلسطين ويعلنوا دعمهم ووقوفهم إلى جانب أطفال فلسطين، والتف الناس حولهم بالهتاف والدعاء، وتبادل أطفالنا مع أطفال من جمعية القدس الرسائل على صوت الأغنيات القومية، وأطلقت البالونات المحملة برسائل المحبة لتعلو في السماء لعلها تصل إلى كل طفل في فلسطين ليعلم الجميع أن القدس في عيوننا وإن بعدت المسافات بيننا.
ولكن اللافت في الأمر غياب مظاهر الاحتفال إلا قليلاً عن الأسواق، فقد اعتدنا في مثل هذه الأيام على الزينات والاحتفالات التي تعم شوارع المدن، وابتهاج الكبار والصغار في هذا العيد، لكن ما يحدث في فلسطين، استوطن قلب السوريين وهم من خبر معنى الحرب ومعنى الدمار والقتل والفقد، فنأوا بأنفسهم عن مظاهر التبرج والاحتفالات، لتحل محلها الصلوات والدعاء بالنصر القريب لشعب فلسطين المناضل الأبي الذي استطاع أن يسطر ملاحم في البطولة والصمود والتضحيات.
وفي لقاء الأطفال باحوا ببراءتهم أن لا عيد مادام أبناء جلدتهم يعانون التشرد والقتل، قال أحدهم: ليت معجزة من السماء تمحو جميع الأعداء من هذه الدنيا ليعيش الناس بسلام، بينما اشترى أحدهم” بارودة” وعندما سألته لما اخترت البارودة ولم تختر سيارة مثلاً، قال لأقتل العدو فيها، وتلك الطفلة التي قالت عندما أكبر سأصبح طبيبة وأعالج أطفال فلسطين.
ولدى سؤال بعض تجار محال الهدايا عن تفاعل الناس في هذا العيد، قال: لا يمكن المقارنة بين موسم هذا العام واحتفالات عيد الميلاد في العام الماضي، صحيح أن الغلاء كان أحد الأسباب، لكن الحزن الذي يخيم على قلوب الناس كان هو السبب الأساسي، وخصوصاً أن في بلادنا عددا كبيرا من الفلسطينيين الذين لا تجف مآقيهم حزنا على ما يحدث لإخوانهم في فلسطين المحتلة، وبديهي أن يتعاضد شعبنا معهم، فهم قبل أن يكونوا من بلد شقيق، هم أبناء جلدتنا ودمهم من دمنا.
ولكن على الرغم من كل ما يظهره العدو الغاصب من وحشية، لن يستطيع أن يثني من عزيمة المقاومة الباسلة التي يبديها أصحاب القضية، ونؤمن جميعاً إن كان لباطلهم جولة، فللحق سيكون هناك جولات وجولات، والنصر حليف المقاومين الأبطال المخلصين لأرضهم وقضيتهم، والله معهم، وميلاد مجيد في بيت لحم إن شاء الله.