الثورة-هفاف ميهوب:
يرى الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي “إدغار موران” بأن التقنيات التي أنتجها الإنسان ترتدّ ضده، وتفرّغ الأزمنة الحديثة من الإنسانية التي فيها خلاصها.. يرى أيضاً، بأن هذه التقنيات “تجلبُ بربريّتها الخاصة، أو بربرية الجبل الجليدي الذي يجهل الوقائع العاطفية المميزة للبشرية”..إنه رأي، تقصّد إدراجه كمقدمة لكتابه “ثقافة أوروبا وبربريّتها”، من أجلِ إظهار النزعة الأوروبية التي وجدها، سبباً في حروب القرن العشرين.. الحروب التي دفعته للتساؤل، ولاسيما بسبب التطور المرعب لأسلحتها: “إلى أين يسير العالم”؟!.. بيد أن سؤاله، لم يكن إلا لتبيانِ ما سعى لتناوله، في العديد من الدراسات والأبحاث المستقبلية، وهو اختصاصه كفيلسوفٍ، أشار إلى أن العولمة تشكّل أزمة، ستكون سبباً في تحطيم الذات الإنسانية، أشار إلى ذلك، بهدف الكشف عن الأثر السلبي لهذا الفضاء، مثلما تفاقم خطورته، والتأكيد لمن لا يتلمّس هذه الخطورة، بأن العالم بات محاطاً بأزماتٍ مستمرّة، مثلما بمفاهيمٍ مثل التطوّر والتقهقر والحيرة، وغير ذلك مما رأى الإنسان ينساق معه، دون أن يدري بأن انسياقه هذا، سيُدخله في دوامة تخنقه وتُغرقه..
كلّ هذا وسواه، جعله يرى أن العالم بأكمله همجي، لطالما بدأ بحروبٍ ضدّ نفسه، ومن ثمّ طوّرها إلى صراعات وأحقادٍ وشرور، تنبذُ الآخر وتجابهه، وتؤكد أن كلّ إنسان، حتى وإن كان متحضّراً، هو شريرٌ بربري، هكذا يرى “موران” البربرية الأوروبية، وعولمتها التي فشلت ورغم تطوّر أدوات شرورها، في القضاء على ثقافاتٍ وفنون ومعارف، جعلت كُثر من عظماء العالم، ينشرون أفكارهم التنويرية، ودون أن يتمكّنوا من استيعاب ثقافة الحقد والقتل والإبادة التي تمارسها بلادهم، فهي تدينهم وتشير إلى انعدام إنسانيتهم مثلما أخلاقهم، يقدم أمثلة عديدة، أولها ما اقترفته أميركا بحقّ الهنود، سكان القارة الأصليين، وليس فقط عبر المذابح التي تنوعت أساليبها بطريقة لايزال التاريخ يذكّر بكارثيّتها، بل وعبر الفيروسات والأوبئة، وأيضاً عملية الاسترقاق التي مارستها ضدّهم، مثلما ضدّ شعوبٍ أخرى، مازالت تمارس عليها همجيّتها، ببساطة، هو أراد التذكير بما قامت وتقوم به البربريّة الغربية والأميركية، ولا سيما ضد من يعارضها أو يواجهها.. يذكّر بذلك، وينبّه إلى أن “حدوث الأسوأ أمر ممكن دوماً”..لاشك أنه التنبيه، الذي كان دافعاً لدعوته إلى مقاومة البربرية، وإيقاف الاستعباد، النخاسة، الاستعمار، العنصريّة العرقية، وغيرهم ممن وجد بأن على العالم مواجهتهم والحدّ من توحشهم، وعبر شرطين أساسيين، هما الوعي المستنير، والأخلاقية الإنسانية.