الثورة – يمن سليمان عباس:
شكَّل الأدب المهجري العربي في الغرب علامة فارقة في تاريخ الثقافة الإنسانية، وقد استطاع مبدعوه خلال فترة قصيرة أن يكشفوا زيف الغرب ونفاقه وهوسه بشن الحروب وتدمير البشرية، ومع ذلك يدعي أنه راع للقيم الإنسانية.
الفيلسوف والمفكر والشاعر ميخائيل نعيمة كان من أوائل من فضح الغرب ونفاقه.. ونعيمه، يمجد الإنسان الذي هو الإنسانية كلها ومن أجله يجب أن تكون الحضارة..
يقول نعيمة: أنت الإنسانية كلها
أنت ألِفُها وياؤها.. منك تتفجر ينابيعها.. وإليك تجري.. وفيك تصبُّ..
أنت حاكمها ومحكومها.. وظالمها ومظلومها.. وهادمها ومهدومها..
أنت واهبها وموهوبها.. وناكبها ومنكوبها.. وصالبها ومصلوبها..
أنت فقيرها وغنيُّها.. وضعيفها وقويُّها.. وظاهرها وخفيُّها..
أنت جلاَّدها ومجلودها.. وناقدها ومنقودها.. وحاسدها ومحسودها..
أنت رفيعها وخسيسها.. وأثيمها وقدِّيسها.. وملاكها وإبليسها..
أمس رأيتك تحصي أرباحك.. وتربِّت نفسَك معجباً بدهائك.. وما سمعتك تقول: “هذا ما أكسَبَنيه الناس.”.. واليوم رأيتك تحسب خسائرك لاعناً دهاءَ غيرك.. وسمعتك تقول: “هذا ما سَلَبَنيه الناس.”.. أوَلا تخجل من أن تكون في الحياة شريكاً “مُضارباُ”؟!..
انت الإنسانيَّة بكاملها.. عرفتَ ذلك أم جهلتَه.. وأنا صورتك ومثالك.. فأين تهرب منِّي إلاَّ إذا هربتَ من نفسك؟!..
وإنْ أنت هربت من نفسك – فمَن أنت؟!..
وهذا الإنسان الذي يجب أن يكون هو السيد على ما يبدو أنه ليس في الغرب إلا حطب الحروب التي مازالت مستمرة منذ أن بدأ الغرب استعماره للعالم..
عار المدنية الغربية
(أما الهمجية فهي الحرب من غير شك ففي الحرب تلقي المدينة عن وجهها قناعها البراق الخداع.. وإذا بها أنياب وبراثن ومخالب لا يهيمن عليها عقل ولا يكبتها وجدان.. وإذا المقاييس البشرية كلها تنقلب رأساً على عقب.. فالبطل هو الذي يدمر لا الذي يعمر.. والذي يميت لا الذي يحيي. والذي يكره لا الذي يحب.. في الحرب تبدو الأمانة خيانة.. والمروءة خنوثة.. واللين جبناً.. والصفح جريمة.. وينطلق الموت يتعقب الحياة في كل مكان فكأنها دخلت الأرض بدون جواز سفر.. فوجودها يزعج الأرض والموت بالسواء..
ألا فليخجل (المتمدنون) بمدنيتهم فلو أنا شئت أن أعدد همجياتهم لما انتهيت من ذلك تجنيهم على الجمال الذي لا تحسه العين والأذن.. ويحسه العقل والقلب والخيال.. إنه الجمال الذي يضفي على الحياة روعة وقدسية وجلالاً.. ويقيم لها أهدافاً تتضاءل دون جلالها جميع حاجات اللحم والدم..
فليس من العبث أن يجمع الناس في كل مكان وزمان على محبة العدل والحرية وكره الظلم والعبودية.. لأن العدل والحرية جميلان.. والظلم والعبودية قبيحان.. وإذ ذاك فالظالمون والمستبدون همج لأنهم يشوهون جمال العدل والحرية..
جمال هو الصدق.. وبشاعة هو نقيضه الكذب.. فهمج هم كاذبون.
جمال هي الدعة.. وقباحة هي الكبرياء.. فهمج هم المتكبرون..
همج هم الماكرون والمحتكرون والمبغضون والنمامون والمغتابون والبانون أمجادهم على مذلة الغير..
لا ليس يليق بأبناء هذه المدينة أن ينعوا على بعض القبائل المتأخرة همجيتها فليتفقدوا (مدنيتهم) أولاً..
نعم إنه عار الحضارة الذي مازال مستمراً على أرض الواقع وما يجري على أرض فلسطين من عدوان غربي بتنفيذ صهيوني لهو العار الذي لا يمحى أبداً.