لميس علي
بين المأساة والمعجزة، فرقٌ كبير..
البعض يحترف تحويل مأساته إلى معجزة ماثلة أمامه.. وواقعية.. وهؤلاء تحديداً لا يرون فعلهم “معجزة”.. مستمرين بنسج خيوط لا مرئية من عظمة ما يفعلون.
على الرغم من أن معظم شخصيات فيلم (مجتمع الثلج، Society of the snow) كانوا أبطالاً.. إلا أن البطل الحقيقي للعمل يتمثّل في “غريزة البقاء”، التي دفعت ركاب طائرة الخطوط الأورغويانية (57١) إلى انتشال طاقة مخبّأة في كلّ منهم..
لا نكتشفها، نحن كبشرٍ، إلا عند التحدّيات والصعوبات..
إلا حين يحدّق بنا الموت وجهاً لوجه.
العمل الذي يدخل ضمن قائمة الأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ممثلاً اسبانيا، إخراج الأسباني خوان أنطونيو غارسيا بايونا، عن قصة الصحفي الأورغوياني “بابلو فيرسي”، يعود إلى قصة تحطم طائرة كانت تقل فريق شباب الركبي للأوروغواي، متوجهةً إلى تشيلي لخوض مباراة هناك، وما حدث أن الطائرة اصطدمت بأحد جبال “الأنديز” ولتبدأ رحلة المستحيل في محاولة البقاء على قيد الحياة لمن نجا من أفرادها.
اللافت في العمل.. أنه يوظّف ثنائية (الظاهر، الباطن) في سرده تفاصيل المأساة.
فنحن لسنا فقط مراقبين لصعوبات غير إنسانية وحسب، إنما جعلتنا كاميرا “بايونا” نترقّب الحالات النفسية والذهنية الصعبة التي مرّ بها جميع من صدف وبقي حياً من الحادث المريع، فنستمع إلى صراعات وهذيانات بعضهم.. ونشهد نقاشات فلسفية وأخلاقية مباشرة بين مختلف الشخصيات.. لاسيما حين تطرقهم لقضية أكل جثامين الموتى، في محاولة أخيرة منهم للبقاء أحياء.
مع شخصيات (مجتمع الثلج)، نرقب كيف يتحوّل ما كنا نعتبره مُشيناً.. محظوراً.. فظيعاً.. وغير مقبول، مع مرور الوقت، إلى شيء عادي..
وكلّ ذلك في سبيل الحفاظ على هبة (الحياة )..
هل تستحق هذه الهبة اختراق المحظورات..؟
ما بين (الحياة والموت) يغزل “بايونا” حكاية أبطاله.. مظهراً ذاك الفرق “الرفيع” ما بين المسموح والممنوع..
ما بين قوة “الموت”، ورغبة “الحياة”.. وكيف من الممكن يتحوّل “الموت” بحدّ ذاته إلى ذريعة للحياة ووسيلةً لها.
تروى قصة (مجتمع الثلج) من وجهة نظر الشاب “نوما” الذي لن يصمد حتى النهاية. وحين موته سيجد أصدقاؤه بيده قصاصة ورق كتب عليها “ليس لأحدٍ حبّ أعظم من هذا، أن يضع نفسه لأجل أحبائه”.
“نوما” كان ضد فكرة أكل لحم الموتى، ومع مرورالوقت وبمواجهة الكثيرمن المشقّات يقتنع بها ويصرّح لبعض أصدقائه أنه يسمح لهم باستخدام جثمانه وسيلة لبقائهم أحياء.
في الفيلم، لسنا أمام مواجهة الموت مقدار ما نحن أمام مواجهة تساؤلات فلسفية ووجودية وحتى أخلاقية محيّرة..
وحتى تلك المساحات البيضاء التي تحيط بالمكان وتلتقطها كاميرا المخرج، كعنصرتسير على إيقاع صمته وغضبه، مفاصل الحكاية، تبدو أداة لإظهار وضوح مفارقات حياتية نشك بها عن بُعدٍ، لكن لا مجال لإعادة النظر فيها عن قرب..
فالبياض هو بياض الوضوح بالانحياز للحياة ولا شيء سواها.