الثورة _ غصون سليمان :
إذا كانت المراهقة مطبوعة بتغيرات جسدية وعاطفية ونفسية جوهرية فإنها تتميز إلى جانب ذلك بكثافة التطور العقلي، حيث يدخل المراهق منذ أعوامه الإحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة وحتى ست عشرة سنة في طور العمليات الصريحة، وفق نظرية بياجيه التي تشير إلى أن الأفراد جميعهم لا يصلون إلى هذا الطور، إذ يمكن لتطورهم العقلي أن يتوقف قبل طور العمليات المحسوسة.
لهذا السبب يحافظ هؤلاء على عقلية طفولية أي على تفكير محدود بالموضوعات المحسوسة والأحداث الواقعية فقط. في المقابل يعرف الأشخاص الذين يصلون إلى طور العمليات الصريحة انفتاحاً عقلياً رائعاً، وبالتالي يكمن الاختلاف الأساسي مع الطور السابق في الإمكانية الجديدة التي يقدمها التجريد، ما يعني أن التفكير لا ينحصر فقط بموضوعات محسوسة لكن بأفكار ونظريات وتصورات.
وحسب أبحاث كتاب علم نفس الطفل من الولادة إلى المراهقة الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب تأليف كورين موريل ترجمة الدكتور غسان بديع السيد، يشير المؤلف إلى أن المراهق يفكر من أجل التفكير، بمعنى لم يعد تفكيره موجهاً نحو نتيجة محددة، لكنه يستخدم من أجل التأمل في العالم وتخيله وتصوره، لافتاً إلى أن التطور العقلي في المراهقة يضاعف قدرات الفكر والعاطفة، فالقدرة على التجريد تحفز المراهق الذي يكتشف المصادر الهائلة لعقله وخياله.
ويلحظ مؤلف الكتاب أن المراهق مقارنة بالطفل فرد يبني منظومات ونظريات، فالطفل يهتم بصورة أساسية بالأحداث الحالية، ويمتلك معرفة مفيدة قابلة للتطبيق مباشرة، موضحاً بأن حقيقة أن التفكير يتوجه فقط نحو أشياء محسوسة وملموسة تفسر الصعوبة التي يواجهها طفل بعمر أقل من ١٢ سنة في حل مشكلات الحساب في المدرسة على سبيل المثال لا الحصر، على الرغم من أنه يعرف مختلف العمليات التي يجب اللجوء إليها من “جمع، طرح، ضرب وقسمة”، لكنه لا يفهم غالباً منطق المحاكمة، لأنه لا يعرف صياغة فرضيات وتخليص تفكيره من الواقع، بل يركز تفكيره على الواقع الآني الذي يمكن الوصول إليه مباشرة في حالة حل مشكلات الحساب، وهنا نرى أن شكل المحاكمة العقلية- حسب معطيات البحث- هي سبب ذلك وليس المعارف والمكتسبات.
في المقابل يهتم المراهق بصورة خاصة بمشكلات غير آنية من دون علاقة مباشرة مع واقعه أو الواقع بشكل عام لطالما ينفتح تفكيره على الفضاء “أي العالم”، وعلى الزمن أي ماضي الإنسانية ومستقبلها.
وإذا ما عدنا إلى التمركز حول الذات فإن الوصول إلى التفكير الفرضي- الاستنتاجي من وجهة نظر بياجيه، يحفز المراهق ويجعله فخوراً بضخامة مصادره العقلية، وكما في كل سلطة جديدة يوجد ميل كبير لاستخدامها بتعسف، لهذا فإن المراهق يكون غالباً في عالم أفكاره أكثر مما يكون في عالم الواقع، أي يكون منبهراً ومسحوراً بصورة كاملة بإمكاناته العقلية التي لا حدود لها.