الثورة – رشا سلوم:
يهتم علم النفس كثيراً بالجانب الوراثي في الشخصية الإنسانية ويكاد مع الطب أن يحيل قسماً كبيراً منها لهذا الجانب، جديد هذا الجانب صدر حديثاً في كتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ضمن “المشروع الوطني للترجمة” حمل عنوان (لم يبدأ الأمر معك… كيف شكّلت الصدمات الأسرية الموروثة شخصياتنا وكيفية وضع حدّ للدوامة)، تأليف: مارك وولين، ترجمة: رنيم محمود يوسف.
يرى الباحث أن أحدثُ الأبحاث العلميَّة، التي تتصدَّر العناوين الرئيسة الآن، تخبرنا أنَّ آثارَ الصدمة يمكن أن تنتقل من جيلٍ إلى الجيل الذي يليه. إنَّ هذا «الميراث» هو ما يُعرف بأنَّه الصدمـة الأُسريَّة الموروثة. وتشيرُ الأدلَّةُ التي ظهرت مؤخَّراً إلى أنَّها ظاهرة حقيقيَّةٌ للغاية، إذ إنَّ الألمَ لا يتحلَّلُ دائماً من تلقاء نفسه أو يتلاشى مع مرور الوقت، حتَّى في حال توفّي الشخص الذي عانى الصدمة الأصليَّة، حتى لو غابت قصته، أو قصتها، وغُمرت في سنوات من الصمت، إلَّا أنَّ من الممكن أن تعيش أجزاء من التجربة الحياتيَّة، والذاكرة، والإحساس الجسديِّ، كما لو كانت تتواصل من الماضي من أجل العثور على حلٍّ في أذهان وأجسام أولئك الذين يعيشون في الوقت الحاضر.
ويرى المؤلف أننا ندرك جميعاً أنه يمكننا “أن نرث” أنماط استجابات للصدمة- مثل القلق، والاكتئاب، والغضب- من خلال النشأة في أسر لم تتم فيها معالجة هذه الأمور لدى الآباء والأجداد وغيرهم من الأهل المقربين ويتم نقلها إلينا دون وعي تقريبًا ودون علمنا لأنها كانت البيئة الطبيعية التي كنا نسبح فيها.
اكتشف علماء الأعصاب الآن أن الصدمة في الأجيال السابقة يمكن أن تغير الجينات في الأجيال القادمة وتغير من تشفير الحمض النووي لدينا، والنقطة المحددة للقلق، والاكتئاب، والغضب، دون أن يكون لدى الشخص الأصغر سنا تفسيرا من أين يأتي هذا القلق والاكتئاب والغضب ولماذا يعيش ذلك بشكل غامر، لا شيء في تاريخه الشخصي يستدعي ذلك.
يمكن أن تستند ردود أفعالنا تجاه أحداث الحياة إلى تغييرات جينية انتقلت إلينا من قبل الأجداد الذين عاشوا أحداثا مؤلمة قبل جيلين. كأمثلة، يروي مارك وولين العديد من القصص المقنعة:
أشخاص لديهم مخاوف من التخلي عنهم يكتشفون فيما بعد أن أجدادهم قد تيتموا في سن مبكرة، ويعانون من هجر جسدي ونفسي ربما لم يتم الحديث عن هذا الأمر، ولكنه يظهر الآن في مخاوف لا يمكن تفسيرها لدى الطفل الحفيد ذي 6 سنوات.
شخص يحمل اعتقادًا عميقًا بأنه لا يستحق العيش، ويستعيد ذكريات جده الذي تسبب في وفاة شخص أثناء القيادة في حالة سكر.
شخص ينتقل إلى مدينة جديدة ويصاب بالاكتئاب، ويحمل بعضًا من صدمات أجداده الذين عانوا من القدوم إلى هذا البلد كلاجئين.
حتى في حالة عدم وجود ذاكرة سمعية أو بصرية للأحداث التي حصلت، يمكن تخزين الصدمة في شفرة وراثية تم تغييرها. تضيع الأسباب، على الرغم من أن سلوكيات وأعراض الصدمة تبقى. بدأ علم الأعصاب الحديث في شرح كيفية إعادة برمجة هذه السلوكيات والأعراض بطريقة تعيد برمجة الشفرة الوراثية في الواقع مرة أخرى.
يقدم مارك بروتوكولًا قويًا للشفاء وإنهاء انتقال الصدمات غير المرغوب فيها عبر الأجيال. يتم في البروتوكول التوصل إلى فهم أعمق للتجارب العاطفية في تراث العائلة وإطلاق سراح الشخص الأصغر سنا من “الولاء” إلى تجربة الشخص المتعرض للصدمة. هذا الإعفاء من “الولاء المضلل” يمكن أن يؤدي إلى الشفاء الفوري والدرامي وتحويل الأب أو الجد إلى حليف. إدراك الصدمة العائلية الموروثة هي الخطوة الأولى لإنهائها والشفاء منها.
والمؤلف هو مارك وولين: هو مدير معهد الاستشارة الأسرية في سان فرانسيسكو، وهو رائد عالمي في مجال الصدمات العائلية الموروثة. فاز كتابه “كيف تشكل الصدمات العائلية الموروثة من نحن وكيف ننهي الدورة” بجائزة نوتيلوس الفضية للكتاب لعام 2016 في علم النفس، وقد تمت ترجمته إلى 19 لغة، مارك متخصص في معالجة الاكتئاب والقلق والأفكار الهوسية والمخاوف واضطرابات الهلع والألم المزمن.