الثورة- بشرى سليمان:
«الجار قبل الدار».. كم هي راقية ومعبرة هذه الجملة بمعناها ومبتغاها حين تحفر في خفايا النفس وتمنح سلوك المرء أثراً طيباً إذا ما تعرض لملمات الزمان والأيام بحلوها ومرها وحين تفيض إحساساً وشعوراً عند أول امتحان حياتي ينال من أي واحد منا.
ولعل هذا المثل من أكثر المقولات المتداولة، وقد يكون حكمةً وراءها عظة، توارثته الأجيال وكررناه مراراً، لكنه لم يستوقفني يوماً إلا عندما لمسته فعلاً وسلوكاً في عزاء عائلة أحد الزملاء من صحيفة الثورة «شريف الحمصي- أبو هشام- رحمه الله» الذي هجر بيته في مدينة داريا نتيجة ظروف الحرب العدوانية على بلدنا، ليستأجر وعائلته في مكان آخر، لم يكن بيته الجديد ذا مساحة، بل صغيراً جداً على قد الحال كما يقال.
لكن الشيء الجميل والمقدر ويعني الكثير على صعيد الأخلاق والإنسانية حين قام الجار بفتح منزله لأم هشام لتستقبل المعزين بدءاً من الزميلات القادمات من الجريدة صباحاً، إلى قريباتها وصديقاتها وجاراتها، وكانت صاحبة المنزل تستقبل النساء المعزيات وتقدم واجب العزاء وتواسي أم هشام وتعتني بأدق التفاصيل ليكون كل شيء على أكمل وجه.
ربما لا ينكر أحد منا ما آلت إليه العلاقات بشكل عام بين الجيران وانحسار إلى حد ما مواقف التعاون والتعاطف والتعاضد لظروف قاهرة خارجة عن الإرادة بالتأكيد، الأمر الذي نرجعه دائماً إلى هموم ومشاغل الحياة، ووسائل الاتصال الحديثة، وسنوات الحرب التي شوهت مفهوم التكافل والتعاضد والمحبة في المجتمع، بعد أن كانت الألفة عنوان المحبة والتعاون شعاراً أساسياً لمفهوم الجيرة.
ومع ذلك يبقى جار «أبو هشام» وأمثاله كُثر في مجتمع أصابه ما أصابه من المرض ولكنه سيشفى عاجلاً أم آجلاً، كونه يحمل الأصالة والقيم المجتمعية المتجذرة في الفرد والأسرة وهي كفيلة لإزالة الضغائن وتوثيق العلاقات بين الناس من جديد وعلى نطاق واسع.