قصتنا لا تمت للتلوث الهوائي أو الكهرومنغاطيسي أو الضوئي أو الضوضائي أو البلاستيكي أو الإشعاعي أو التربة .. بصلة لا من قريب أو بعيد، وإنما مرتبطة بصلة لا تقبل التجزئة بالتلوث النفسي والأخلاقي والمادي، وبالماس العقلي الذي أصاب شريحة غير هينة من التجار والباعة ممن يثبتون يوماً بعد يوم بشططهم ونشاز أفعالهم وموبقاتهم أن مدة صلاحية ضمائرهم انتهت، ووجدانهم مات وشبع موت.
أنا لا أزعم أنني خبير في السلوك والطباع البشري، أو أجيد قراءة الضمائر، ولا في الموقع الذي يتيح لي أو يمنحني صلاحية أو سلطة توزيع شهادات حسن أو سوء السلوك، لكنني أستطيع أن أجزم أن الغراب “الغراب نفسه” شاب لحظة سماع خبر إلقاء وزارة الداخلية القبض على عدد من الأشخاص واعترافهم بالاتجار باللحوم الفاسدة وتجميعها في مستودع بمنطقة البرامكة بداخله وضبط كمية تقدر بـ 35000 كيلوغرام من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك البشري ..
نعم مسممة ومميتة لـ 175000 ألف مواطن على الأقل “فيما لو افترضنا جدلاً أن كل مواطن تناول 200 غرام فقط من هذه اللحوم القاتلة”.
الخبر لا يحتاج إلى قائمة طويلة ـ عريضة من الأسباب والدوافع والمسوغات والظروف.. ولا حتى كتاب إدانة أو استغراب أو استهجان أو امتعاض أو رفض أو شجب من اتحاد غرف التجارة الذين كان ومازال لا يرى أو يسمع أو يتكلم إلا عن مصالح ومكاسب أعضائه فقط لا غير “المنتسبين لغرفه وغير المنتسبين”، وإنما يتطلب رفع سقف العقوبات ومضاعفة الغرامات المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم “8” الصادر والهادف والمعني بحماية المستهلك، من فجع وطمع وجشع أصحاب الضمائر الميتة، وعديمي الرحمة، وفاقدي الأخلاق الذين لا يتحلون بالحد الأدنى ـ الأدنى من القيم والمثل النبيلة، أو يسمعون بها حتى.
لن نقول ما خفي كان أعظم، وكم مستودع وقبو مظلم لم يتم “حتى تاريخه” كشفه والقبض على الخفافيش والفئران بداخله .. لكننا سنطالب وبالفم الملآن بإنزال وفضح كل من ثبت تورطه بالجرم المشهود .. وسنؤكد وللمرة التريليون بعد المليار أن لقمة عيش المواطن وأمنه الصحي والغذائي لم ولن يكون في يوم من الأيام صيداً سهلاً أو لقمة سائغة في يد خفافيش الظلام.. كومبارس ما خلف القضبان.
التالي