الثورة – رفاه الدروبي:
تناولت جلسة النادي الأدبي الثقافي كُتَّابا ترتبط أعمالهم بشخصيات محورية كانت تشكَّل إسقاطاً على شخصياتهم الحقيقة وتمَّ اختيارها كي يكون لها انعكاس على الواقع الاجتماعي في حياتنا المعاشة الحالية، تمَّ عرضها في ثقافي أبو رمانة بإشراف رئيس النادي الدكتور راتب سكر وأدارت جلستها رئيس تحرير مجلة “شامة” أريج بوادقجي ومشاركة وحضور كتاب وأدباء وقادة رأي.
هنري تسيناسكي
مدير الهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور نايف الياسين تمحور حديثه حول شخصية “هنري تشيناسكي” في أكثر من رواية للكاتب الأمريكي هنري تشارلز بوكاوسكي فكانت شخصية محورية في أعمال الكاتب لعدة أسباب منها أنَّه ظاهرة لافتة ويعتبر من الشعراء الأمريكيين الأكثر شعبية، وتفوق أهميته كشاعر كروائي، لكنَّه كتب عدداً كبيراً من القصص القصيرة والروايات وحظيت بشعبية أيضاً. وبالنظر إلى أنَّه ليس معروفاً للقارئ العربي مثل الكُتَّاب الآخرين لكنَّه شاعر وروائي أمريكي عاش بين عامي 1924- 1994 ووصفه كلّ من هنري ميلر، جان بول سارتر، جان جينيت بأنَّه أحد أعظم شعراء أمريكا، لم يعش طفولة سعيدة بسبب قسوة أبيه كونه كان يعنفه باستمرار ويتصف بشخصية خجولة وانطوائية، وإصابته بحالة مفرطة من حب الشباب تركت ندبها على وجهه طوال حياته، ما أكسبه مادة للكتابة وصوتاَ أدبياً متميزاً درس بعد الثانوية الصحافة والفن والأدب في معهد مدينة لوس أنجلوس لمدة سنتين وانتقل إلى نيويورك وعمل في عدة أعمال يدوية.
وأشار إلى أنَّه نشر أولى قصصه، كان في سن 24، إضافة إلى مجموعة قصصية عام 1946 وأحبط لأنَّه لم يحقق أيَّ نجاح وأطلق على السنوات العشر التالية “السنوات الضائعة” لكنَّها شكَّلت الأساس ومنحته المادة لكتاباته اللاحقة، ولاسيما من خلال شخصية هنري تشيناسكي، وتعتبر نسخة أدبية مؤثرة لشخصية الكاتب في عام 1959 أقنعه صاحب دار نشر جون مارتن ضرورة التفرغ للكتابة فترك وظيفته في مكتب البريد ونشر أولى رواياته بعنوان “مكتب البريد” بعد ثلاثة أسابيع من تركه العمل عندما كان في التاسعة والأربعين من عمره.
الدكتور النايف أشار إلى أنَّ شعبية الكاتب الكبيرة تأتي من أنَّه يكتب عن المهمشين والفقراء والخارجين على الأعراف المجتمعية ومشكلاتهم، وهواجسهم بلغة بسيطة، وسهلة ذات إيقاع سريع ما جعل كثيراً من الشباب في أمريكا وأوروبا يقبلون على قراءة شعره رغم عدم اهتمامهم بالشعر عموماً، لأنَّ شعره يتحدث عنهم وإليهم بلغة يفهمونها ويحبونها، كان يُدعى لقراءة الشعر في الجامعات وأماكن أخرى، فتكون تلك مناسبات صاخبة يتفاعل جمهوره معه بلا حواجز، فكانت شخصية هنري تشيناشكي البديلة أو المعدلة على نحو متفاوت بين رواية وأخرى من روايات الكاتب بوكاوسكي لكن تظل قريبة جداً من شخصيته ولا شك إن اسم الشخصية نفسه له شبه بالكاتب فكان خيار متعمد، لافتاً إلى أنَّه ليس فريداً في استعمال شخصيته إلا أنَّ أرنست همنغواي سبقه في مجموعة من قصصه وتضمُّ أكثر من عشرين قصة قصيرة.
كما لفت إلى أنَّ هنري تشيناسكي الشخصية الرئيسية في رواية مكتب البريد كونها رواية تناولت سيرته الذاتية وتغطي الفترة من حياته عام 1952 وحتى استقالته من خدمته البريد، ويعتبر كاتباً يحاول نشر أعماله لكنَّه يواجه دائما بالرفض ويستمر بالكتابة لأنَّه مقتنع بكتاباته ويعتبرها أفضل من كلِّ ما ينشر من أعمال الكتاب وغالباَ شخصية تشيناسكي سلبية لا تحمل القيم الإيجابية منوّهاً بأنَّ الكاتب لا يمانع في إسقاطها عليه ويبرر بوكاوسكي سلوكه بأنَّه لم يتلق شيئاً من الحبَّ في طفولته ونفس حال الكاتب ذاته.
مورسو
بدوره الدكتور وائل بركات تناول حديثه عن شخصية “مورسو اللا مبالي وعبثية الحياة” بطل رواية الغريب لألبير كامو، وتبدأ رحلته المثيرة في ذهن القارئ بمشاعر متناقضة من تعاطف معه أو رفض لعبثيته باسطة أمامه أزمة الإحساس بالغرابة عن الذات والمجتمع في حياة البطل، لافتاً إلى أنَّ كامو لم يصف لنا سمات شخصية مورسو بصورة مباشرة، لكن ما نعرفه عنه انَّه فرنسي يعيش في الجزائر، معلوماته الأخرى قليلة وعلينا استنتاجها وتفسير أفعالها وفق فهم الكتابة لكن نعرف أنَّه يعيش حياة عادية لا تاريخ سابق يملكه، ولا طموحاً مستقبلياً يسعى إليه، وتبقى حياته سائرة في خط مستقيم لا تعديل عليها إلى أن يواجه مصيراً غير متوقع يوصله إلى التهلكة دون أن يكون قاصداً الفعل المرتكب باعتباره جريمة قتل عربي لا يعرفه ولا تربطه به صلة.
ثم أشار إلى أنَّ حياته الاعتيادية مزقتها جريمة وبدأت مأساته بمحاكمة كافاوية -نسبة إلى كافكا في روايته المحاكمة- كان من السهل عليه تجنب العقوبة الأقصى وتكون بالإعدام في إحدى الساحات العامة لو أنَّه وافق على الكذب بينما انحرفت مجريات المحاكمة لتتحول عن جريمة القتل ويتوجه سلوكه أثناء مراسم دفن جثمان أمّه فشرب القهوة مع الحارس ودخن لفافات التبغ بجانب الجثمان وطلب منه المحامي أن يكذب فرفض، فالشخصية خارجة على المألوف ليس في طباعها وطريقة حياتها فقط وإنَّما بقضية صدق يراها مطلقة.
وأوضح الدكتور بركات أنَّ القسم الأول من الروية تحافظ الشخصية على مسارها الاعتيادي وتحكم الأفعال العبثية في مجريات الأحداث بالرواية فلا عالم مورسو الداخلي ولا الخارجي ولا تفكيره يوحي بالعقلانية كونه غير منطقي في تصرفاته وردود أفعاله مبيناً تركيبة شخصية مورسو تتمتع بحسية تهتم بالأشياء المرئية والمحسوسة لأنَّه لا ينشغل بقضايا كبرى والأهمّ لديه الطبيعة الحسيّة وانشغاله المستمر بتقلبات الطقس ففشل في إدراك اللعبة الاجتماعية فكان غير مبال والعالم ليس له معنى.
غريغور سامسا
من جهتها الدكتورة رنا ياسين تناولت شخصية غريغور سامسا في رواية التحول “المسخ” للتشيكي الألماني فرانز كافكا وتتلخص بأنَّ الشخصية عندما استيقظت في إحدى الصباحات وجدت نفسها تحولت إلى حشرة عملاقة ويجد القارئ نفسه وسط الحدث مباشرة ولم يوصف فيها الصباح ووضع الغرفة وإنَّما يرمز على تحوله بأحداث تشدُّ القارئ منذ بدايتها كي يتابعها ولا يترك حتى يتابع قرائتها بجلسة واحدة دون انقطاع، لافتة إلى أنَّ الشخصية المتحولة إلى “صرصار” لم يلفت انتباهها أسباب التحول بل يهدف الكاتب التعتبر عن رمزية عميقة من خلال أفكار وتساؤلات يطرحها عن مقصده وكيفية التحول، بينما يصب جلَّ اهتمامه حول عائلته لدرجة أنَّه لم يفكر بحاله وما حصل معه.
سكارليت
كما قدمت الشاعرة إيمان موصلي عن شخصية سكارليت أوهارا في رواية “ذهب مع الريح” للكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشيل حيث تكشف فيها الجانب الإنساني العالي للبطلة وقدراتها وغيرتها وأخلاقها الكامنة بشكل أو بآخر تظهر في تصرفاتها مع غيرها فكان لبيئتها المترعرة فيها أثراً مهماً تتكشف تفاصيل كثيرة من تلك الحقبة التاريخية الواقعة خلال الحرب الأهلية الأمريكية، وكانت عبارة عن صراعات داخلية حدثت داخل الولايات المتحدة في الفترة من عام 1861إلى 1865واجه فيها الاتحاد الانفصاليين في إحدى عشر ولاية جنوبية مجتمعة معاً لتكون الولايات الكونفدرالية الأمريكية.