حاول أحد الشباب، العامل في إحدى المؤسسات العامة أن يروض جسده المدلل قبل خروجه إلى التقاعد من خلال العمل بقطعة الأرض التي يملكها بحيث يستصلحها بالتقسيط كلما سنحت له الفرصة بما يروق له، كنافذة لملء الفراغ وقتل الملل في حال قرر السكن والتنقل بين المدينة التي يقطنها والقرية التي يحبها..
وكنوع من الاستجمام المحبب إرادياً بدأ منذ سنوات عدة بزراعة الأشجار المثمرة من زيتون وليمون وجوز ولوز وفاكهة متنوعة بما يناسب البيئة وطبيعة الأرض ومساحتها، وأخذ يهتم ويعتني بها مع كل إجازة وعطلة مستحقة.
حاول الشاب أن يختبر قدرة جسده، حيث اعتاد على الجلوس أكثر بحكم العمل الإداري لعشرات السنين، إلى جانب الكنكنة في المنزل بعدما فرضت الظروف الصعبة شروطها على النفس والحركة والتنقل، مادفعه للتغيير والتجديد في آلية التفكير لديه بحيث تساعده في نهاية خدمته الوظيفية على أن يجد متنفساً وإن كان صعباً من الناحية المادية والجسدية وهو الاهتمام بالأرض على أكمل وجه من زراعة وفلاحة وحفر وسقاية وتقليم أشجار.
هو اختصاص ليس سهلاً عند الفلاح النشيط المتمرس، فكيف عند الذي يتوق للعمل في الأرض بهمة عالية، ولكن برغبة الحلم والطموح والأمنية، لأن بنية الجسد لاتساعده بحكم عمره المتوسط وعدم انخراطه سابقاً بتفاصيل الأرض ومتعة شقائها، كما لا يسمح الوضع المادي إلا على نطاق ضيق بأن يعتمد على عمل الآخرين بالأجرة.
ولأن الإرادة والتصميم باتا معيارين لإنجاز أي هدف، ومجرد التفكير الإيجابي ولو بالنيات هو خطوة هامة بحد ذاتها تحفز الشعور بالمسؤولية والانعتاق من قيود الاستسلام لليأس والإحباط ونقد الواقع والفقر والظروف بشكل مستمر.
تجاوز هذا الشاب كسل الجسد من خلال بروفة رياضية يومية لأرضه، خلال عطلة العيد وغيرها مما سبقها من عطل مصطحباً معه بعض الأدوات المناسبة لهندسة الأرض (وعمل ما يمكن بأرضه) معتمداً على نفسه بكل هدوء وتأمل ومتعة المحب، حتى أصبح حلمه حقيقة أن الأرض تغني وتستر وتثمن من جوع، والأهم أنها تفرغ كل طاقة سلبية متراكمة في جسد المرء، بمجرد النظر إلى الخضرة المنتشرة بالمحيط.
وترجمة لمقولة “لولا الأمل ما كان العمل”، كان خيار الشاب أن يبدأ التنفيذ بخطوات مدروسة هدفها الاستمتاع بما لدينا من حيازات صغيرة أو كبيرة بدءاً من حديقة المنزل إلى سواها من الفضاء الأرحب.