إبراز دور المرأة .. الصالونات الأدبية أنموذجاً

الملحق الثقافي- رولا محمد السيد:
لا تقل المرأة الكاتبة والصحافية عربية كانت أم غيرها، وعياً بأهمية العمل الإبداعي وأثره في تعزيز الحياة الثقافية والنهضة العلمية، وقد أظهرت المجالس الأدبية والصالونات الثقافية الكثيرة التي أقامتها المرأة، واستقطبت من خلالها أهم أعلام الأدب وعي المرأة المبكر بأهمية دورها من خلال المشاركة الفاعلة في تنشيط الحياة الثقافية وفتح باب الحوار حول قضاياها ومسؤولياتها في تحقيق النهضة وتجديد الوعي وتكريس قيم الحياة الجديدة.
ولأن المرأة الكاتبة والصحافية كانت هي الأكثر رعاية لهذه المجالس فقد ارتبطت هذه المجالس بها بامتياز، لكن هذه الظاهرة لم تدرس حتى الآن بصورة معمقة ومنهجية تحتاج من الناقدات النسويات إعادة قراءة وتحليل للتعريف بالأدوار المهمة التي لعبتها والتي عبرت عنها المرأة التي تؤكد على العمل والدور النسوي في اختراق آفاق المعرفة.
لقد بدأ ظهور الروابط والصالونات الأدبية بصورة لافتة منذ مطلع عشرينات القرن الماضي، وقد لعبت الحواضر العربية مثل القاهرة ودمشق وحلب وبيروت دوراً أساسياً في بروزها.
اللافت للنظر محدودية الاهتمام بدراسة دلالات هذه الظاهرة وما الذي تعنيه على المستوى السوسيولوجي، وخاصة أن هذه الأدوار لم تقتصر على الأدب والثقافة بل تعدتهما إلى الأدوار النضالية ضد المستعمر ومن أجل نشر أفكار النهضة والتجديد في المجتمع، ما يدل على مشاركة هامة للمرأة في مجالات الحياة المختلفة وعلى تأثرها بالأفكار الجديدة للثقافة الغربية، وهو ما تتم الإشارة إليه غالباً من خلال عدد من أسماء أعلام النهضة الرجال دون أن تتم الإشارة إلى المرأة في هذا المجال.
المؤسف أن الكثير من النسويات العربيات اليوم يكررن مقولات قديمة لنسويات غربيات، ولا يكتفين بذلك بل يهملن دور النسويات العربيات ويغضضن الطرف عن إنجازاتهن الثقافية التي كان لها الأثر الكبير في الثقافة العربية، وسواء كان هذا عن جهل أو تعمد، فإنه من الضروري الالتفات إلى تعديل المسار من خلال رد الاعتبار للنسويات العربيات والبناء على ما أنجزنه.
صحيح أن الناقدة النسوية في الغرب أدركت في مرحلة مبكرة أن من أولى مهامها نفض الغبار عن التراث الأدبي النسوي، وذلك من خلال إعادة التعريف به عبر إعادة نشره ودراسته في ضوء رؤية منهجية جديدة تعيد الاعتبار له.
وعندما انتقل النقد النسوي الغربي إلى ثقافتنا ظل هذا النقد مشغولاً بالبحث في سمات النص الروائي النسوي دون الأجناس الأدبية الأخرى مثل الشعر، على غرار ما فعلته الناقدات النسويات في الغرب.
ورغم مضي زمن لا بأس به على توطين النقد النسوي في ثقافتنا العربية، لكن الأدوار التي كان يفترض بهؤلاء الناقدات أن يقمن بها لم تتحقق حتى الآن.
في أولويات هذا النقد تأتي إعادة نشر التراث النسوي العربي بالطريقة التي تليق به، إضافة إلى إعادة قراءة هذا التراث برؤية منهجية حديثة، والتعريف بالأدوار الثقافية التي لعبتها الأديبة والكاتبة العربية في مراحل مبكرة من تاريخها، وكانت بمثابة علامات مهمة في تاريخ الحياة الثقافية العربية.
وتتمثل أهمية هذا الدور في وصل ما انقطع في تاريخ الكتابة النسوية والأدوار التي لعبتها الكاتبة العربية سواء على صعيد الإسهام النسوي خصوصاً والأدب العربي عموماً، أو من خلال النوادي الثقافية والصالونات الأدبية التي كانت فضاء للحوار والتفاعل ومناقشة قضايا الأدب والثقافة والفن.
لكن مشكلة النقد النسوي العربي تتمثل في أن الأغلبية من هؤلاء الناقدات يعملن في الحقل الأكاديمي ما أثر كثيراً على القيام بهذا الدور في حياة ثقافية ما زال فيها دور المرأة الثقافي خاضعاً لجملة من الظروف والعوامل الاجتماعية والتربوية والسياسية المعيقة. وهذه الملاحظة لا تعفي المرأة الناقدة من القيام بالأدوار التي يستوجب عليها القيام بها، وخاصة عندما تكون جزءاً من الخيارات الفكرية والسياسية التي اختارتها.
لذلك لا يكفي أن تحاول هؤلاء الناقدات دراسة الأدب النسوي الراهن المتمثل في الرواية وكأن أدوار المرأة الكاتبة والصحافية العربية بدأت الآن، في حين يغيب جانب مهم من هذه الأدوار التي عبرت، في مرحلة تاريخية مبكرة بعضها يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر والبعض الآخر إلى عشرينات القرن الماضي، عن وعي المرأة المبكر بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه في إغناء الحياة الأدبية العربية وتأكيد دور المرأة الأساسي في هذا المجال. من هنا فإن استعادة صيرورة هذه التجربة ووصل ما انقطع فيها يتطلبان استعادة هذه الأدوار وأهم أعلامها والأثر الذي خلفته في الحياة الثقافية العربية، وهي مسؤولية هؤلاء الناقدات النسويات قبل أن تكون مسؤولية الجهات الثقافية الأخرى، التي لا يبدو أنها معنية باستعادة هذا التراث وتجديد علاقتنا به في ضوء رؤية معاصرة وجديدة.
من هنا تبدو أهمية الدور المنوط بالناقدات النسويات العربيات لاستعادة هذا التاريخ والكشف عن رموزه وتأثيره في الثقافة والمجتمع، إضافة إلى دراسة دلالاته ومعناه وخاصة أن أغلب الصالونات الأدبية ارتبط ظهورها بالمرأة التي كانت تنظر إلى الثقافة من منظور جمعي وتسعى إلى دمج المرأة في المجتمع.
ورغم قيام بعض المحاولات الخجولة والمحدودة في مراجعة هذه الأدوار من قبل بعض الجهات النسائية، فإن هذا لا يكفي للتعريف بهذه الأدوار وبيان الأثر الذي خلفته في عصرها على الحياة الثقافية والاجتماعية إذ لا بد من العودة إلى المصادر الأولى والتنقيب والبحث في المصادر التي ما زالت مجهولة لتكوين صورة شاملة وعلمية عن هذا التاريخ وأهم أعلامه وأسباب ظهوره في مدن دون أخرى لوضع هذا التاريخ في سياقه الاجتماعي والسياسي والثقافي.
من هنا تظهر أهمية أي مشروع يمكن للناقدة النسوية العربية أن تقوم به على هذا المستوى على الأقل من أجل تجديد علاقتها حاضراً بماضيها الذي ناضلت كاتبات ومثقفات من أجل مستقبل المرأة الكاتبة وتقديم صورة مشرقة عن هذا التاريخ والأدوار التي لعبتها على طريق نهضة وتطور المرأة والمجتمع والثقافة.
وعدم الرضوخ لأقوال وتصريحات تأتي من هنا وهناك أن لا وجود لدور نسوي في النهضة الإنسانية العربية، بل هي في صلب هذه النهضة وهي معنية بها، وشريكة أساسية في تقديم منتج الحضارة الثقافية الإنسانية، لكن تذكير أو تغليب الذكورية من قبل البعض أمر غير صحيح وحالة غير صحية في تقديم أو تعريف حضاري لدور المرأة الكاتبة والأديبة والعالمة.
                           

العدد 1194 – 25 -6-2024     

آخر الأخبار
حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد جيني اسبر بين "السبع" و"ليالي روكسي" هل نشهد ثنائية جديدة بين سلوت (ليفربول) وغوارديولا (مان سيتي)؟ مواجهة مرتقبة اليوم بين صلاح ومرموش تعادل إيجابي بين الأهلي والزمالك دراما البطولات (التجميلية)