ذاكرة.. من تاء التأنيث إلى نون النسوة الزرقاء..

الملحق الثقافي:               

ثمة من قال إن المرأة ظلمت في معاجم اللغة العربية وقدم كلمات يرى أنها تدل على ما يعنيه.. ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً فالكلمة أنثى واللغة الشاعرة أنثى وكل ما لا يؤنث كما قال متصوف عربي.. لا يعول عليه لأنه ليس بخصب، وعلى هذا المعنى الإبداع الثري هو من نسغ الخصب الأنثوي ولايمكن القول إنه أقل درجة من إبداع الرجل..
فكلاهما من صنف واحد شرط أن يكون الإبداع إبداعاً، ولكن ثمة من يرى ويقول لقد تغير الحال وجرت نون النسوة الكثير من الشوائب على إبداعها هي.. فلا تاء التأنيث أخذت دورها.
بكل الأحوال يمكننا أن نقول إن استعادة دور المرأة في عالم الإبداع لم يكن سهلاً لاسيما أنها كانت قد حافظت عليه حتى جاء ما سمي عصر الانحطاط إذ بدأت رحلة الانحدار نتيجة الواقع الاجتماعي المتخلف.
استمر الأمر إلى أن بدأت عصور اليقظة مع مطلع القرن العشرين وبداية الريادة ودفع الثمن من قبل المرأة المبدعة.. هل نذكر بماري عجمي ومي زيادة وباحثة البادية وملك حفني ناصيف وغيرهن كثيرات.
هؤلاء رواد التأسيس، ليأتي جيل بعدهن رسخ الخطوات ولكنه أيضاً دفع ضريبة كبرى.. فدوى طوقان ونازك الملائكة وسلمى خضراء الجيوسي، وفي سورية ألفت أدلبي ومقبولة الشلق وسلمى الحفار الكزبري وقمر كيلاني وغادة السمان وغيرهن كثيرات ممن لا تسعف الذاكرة ذكرهن.
على هذه الدروب الممتدة من الريادة إلى السيادة ازدهر الإبداع الأنثوي ورسخ معالمه، بل ربما أسس لنهضة مختلفة، ألم تكن نازك الملائكة من فجر قصيدة التفعيلة حين وقت ولادتها؟.
لكن للأسف منذ مطلع تسعينات القرن الماضي لم يترسخ المشهد بالعمق الذي يمكن الحديث عنه.. إلا مجموعة أسماء حفرت مجراها في المشهد الإبداعي بقوة في الساحة السورية، ويمكن الإشارة هنا إلى انتصار سليمان وهيام منور كأسماء شعرية مهمة حققت مساراً متميزاً وسط ركام مزدحم.
ولكن الأمر لم يكن كذلك بعد مطلع القرن الحادي والعشرين ولاسيما بعد فورة الأزرق وتحول كل من أمسك جهازاً محمولاً رجلاً كان أم امرأة إلى شاعر أو شاعرة.
وضاعت المعايير بكل شيء، فوراء كل هلوسة حرفين على الأزرق آلاف المعجبين من الذكور وبحر متلاطم من شارات الإعجاب التي صارت معلماً نقدياً وثروة يتوهمها مدعو الإبداع.
ما أن تكتب إحداهن حرفاً حتى ترى هلاميات اللغة بكل ما في اللوثة من جهل مثل (احسنتي.. حلاكي.. ابداعكي.. اروع شاعرة…) نعم أحسنت يضعون ياء بدلاً من الكسرة.. ناهيك بما نتحفهم نحن الرجال بمعلقات النقد، فوراء كل شاعرة فيسبوكية عشرات النقاد بدءاً من بعضنا نحن العاملين في الإعلام الثقافي إلى من فتح دكاكين منح شهادات الدكتوراه لمن تحمل وجهاً حسناً.. وغدت الصورة الشخصية بنية القصيدة الدرامية وعليها يكون الأساس في تدبيج المديح.
هل تصدقون أن شاعرة كتبت ٣٠ كلمة متناثرة.. جاء من يكتب أكثر من ١٠٠٠ كلمة كقراءة معمقة كما يقول في قصيدتها.
هذا لا يعني أن المشهد بكامله كذلك.. لا فثمة أصوات حقيقية تسعى لحفر مجرى ثابت وتعمل بصمت بلا ضجيج.. لكنها مغيبة طوعاً أو كراهية عن الحضور.. لأن نون النسوة الزرقاء هي التي تتسيد الموقف، وبكل الأحوال هذا الأزرق بمقدار ما ساهم بنشر روائع الإبداع وشكل منبراً مهما بقدر ذلك ثمة من أضعفه وضيع بهجته، ولكن غربال الزمن كفيل بالأمر..فلا واو الجماعة التي قطرت تاء التأنيث وراءها ممكن أن تبقى قاطرة ولا التاء مقطورة، ولا نون النسوة التي صارت فاعلاً بقيت على فاعليتها..
فهل هذا حقاً هو المشهد.. وكيف يمكن الفصل التعسفي بين إبداع وآخر من حيث الجنس لا الموهبة والأصالة والانتماء والقدرة على حجز مكان ما في هرمية المشهد.
           

العدد 1194 – 25 -6-2024     

آخر الأخبار
معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة