الثورة – حسين صقر:
كمن يبحث عن نظارته وهي على رأسه، أو ربما عن حاجة ما موجودة أمامه ولا يراها، تلك هي السعادة، في داخل كل منا ولا نراها، قد تكون في الصحة أو العقل أو راحة البال، وقد تكون في ولد ناجح أو زوجة صالحة، أو أخ يشعر بألمك وحاجتك، أو صديق يقاسمك أفراحك وأتراحك، أو جار يراعي خصوصيتك وراحتك، ولكن لا نراها، نشعر بها عند فقد أي من تلك الأشياء أو الأشخاص.
نقضي العمر بحثاً عن السعادة، نمر بجانبها، نلامسها أو نصطدم بها، لكن لا نشعر، وفي كل لحظة نجيب على تساؤلات الآخرين، لا ندري ما بنا، ونشعر بالضيق والانزعاج، ولا نكلف أنفسنا عناء الوقوف لنعرف أنها هي التي لامستنا، وكأن قناعاً غلف وجوهنا وأعمى بصيرتنا كي لا نراها.
البحث عن السعادة لا يستحق كل هذا العناء، لأن الدنيا زائلة، فإذا امتلكت بيتاً من عشرين غرفة، سوف تنام بواحدة وتجلس بأخرى، وإذا كان لديك أسطول من السيارات، سوف تركب سيارة واحدة أو اثنتين على أقصى حد، وإذا صمت عشرة أيام، فلن تأكل في أول وجبة بعد كل هذا الصيام ثلاثين رغيفاً، لأنك ستأخذ فقط حاجتك من الأكل والشراب، ولهذا يجب ألا نبحث كثيراً عن السعادة لأنها ليست مفقودة أو ضائعة، بل بين أيدينا وألبابنا وأفئدتنا.
نقضي العمر بحثاً عن المادة، فتضيع السعادة، نهلك صحتنا وعافيتنا، فيضيع الوقت الجميل من أيامنا، وعندما نمتلك كل شيء، ننفق ما جمعناه لاستعادة تلك الصحة، ولكن دون جدوى، وكل ما نستطيع فعله أو قوله التحسر على الماضي، والقول: كنا كذا، فعلنا كذا، ولكن يذهب كل شيء سدى، فلا نتلذذ بما جمعناه، ولا نستشعر السعادة التي كانت في حوزتنا دون أن ندري، لأن السعادة من وجهة نظر الكثيرين هي جنة الأحلام ومنتهى الآمال، ينشدها البشر وقلائل منهم من يدركها.
ورغم اختلاف الطباع، وتباين وسائل الناس وغاياتهم وتنوع لغاتهم وأجناسهم، والفرق الواضح بين طموحاتهم واهتماماتهم، إلا أنهم متفقون على طلب السعادة، لتوجعهم من مكابدة الحياة وآلامها، لطمعهم في حياة سعيدة هنيئة لا أحزان فيها ولا هموم، حيث السعادة منحة من الرحمن يهبها لمن يشاء من عباده، فمنهم من ينعم في جناها، ومنهم من يحرمها ويعيش في أمانيها، والموفق من هدي إليها فسلكها وخطا إليها عبر طريق القناعة وعمل لها وجانب ما يضادها مما يجلب له الشقاء.
يظن بعض الناس أن السعادة في المال والثراء، ومنهم من توهمها في المنصب والجاه، ومنهم من طلبها في تحقيق الأماني المحرمة، وبين مدرك لها ومن محروم منها، ومن بائس شقي توهم السعادة على غير حقيقتها، من يؤثرون دنياهم على دينهم وآخرتهم، فيجنون الوهم والهم ويكابدون المعيشة، ويبررون ذلك بالطموح.