الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
للأنثى خصوصيّة الرقّة والعذوبة فهذه هبة من الله بالأصل خلقها لآدم لتؤنسه ويسكن إليها وتسرّ ناظريه بعد تعب وليس لتصبح هي الغاية والوسيلة والهدف والحاصد والمحصود والقاصد والمقصود.
التأنيث أصله من الأنثى والأنثى من العاطفة والعاطفة من الإنسان، إذاً هي جانب وليست كل الجوانب… والكلّ يعلم أنّ الجانب الآخر المقابل للأنثى في الإنسان هو العقل يقوّيها ويدعمها ويكمّلها كما هي تلطّفه وتلوّنه وتجعل فيه روحاً من حيويّة وليونة ومرونة… أما أن تصبح هذه الأنثى هي الإنسان كلّه باحتلاله فهو الخطر الشديد…
فلو نظرنا إلى تلك النظرة في الجاهلية وتلك العصور وكيف كانت توأد المولودة فقط لأنها أنثى نعلم مقدار الزمن المغاير الذي وصلنا إليه.
فهل الزمن المعاصر الآن ينتقم للأنثى؟ هل حرمانها بفترة ما من الجهر حتى بوجودها الآن ينقلب وبالاً على الرجل الذي منعها، أم هو ترتيب ألاعيب؟!
جاء في سورة النحل 58
«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ».
-دائماً تتغيّر الأدوار وتتبدّل حسب المرحلة والعصور ومن في ذلك ممن قادوا وغيّروا المفاهيم ودفعوا ثمناً باهظاً للوصول لما نحن فيه… لكن السؤال هل «كلّ ما يزيد عن حدّه ينقلب ضدّه» كما جاء في المثل؟ وهل ظاهرة التأنيث كما أمسكوا بتلك المقولة لمحي الدين ابن عربي: «كل مالا يؤنّث لا يعوّل عليه»، صحيحة؟ وهل حقّاً قالها ابن عربي، وماذا قصد فيها؟ أم هي محاولات للعب عن طريق كلّ الطرق والمذاهب وبكلّ الوسائل باستدراج رجال التصوّف إلى صفّهم وتأويل كلامهم بما يخدمهم طالما فشلوا عقائدياً؟ السؤال الآخر، هل جمال الأنثى أو سحرها يتشفّع لنا لنتغاضى عن قيادة هي لا تقدر عليها… ربما تشارك بها… لكن تبقى روحاً محرّكة ومهمّة جداً وبدونها صعب … لكن أن تُعطى كل الحبل وتقود كل شيء فهذا تفكير خبيثٍ شرّير…
بالفطرة الأنثى جذابة لكن أن يُلعَب على هذا الوتر ويكون العزف منفرداً، فالنغمة ستبدو سخيفة فيما بعد ومُكرّرة ومُجترّة مهما كانت جميلة!
الفطرة تقول هناك تأنيث وتذكير.. هناك سالب وموجب.. مذكر ومؤنث.. ليتم التبادل الحياتي المشاعري الانفعالي الطاقي الحدثي الوجودي الكوني… وإلا فسنصل للعدميّة وقبلها القهقرى كما كنا قبل تصميم مهندس عظيم للكون وخالق قدّر وخلق فسوّى وأنشأ وبرأ كل شيء من الذرّة إلى المجرّة بما لا يفوته شيء ولا يكون كخلقه ومثله شيء… فحتى النواة الصغيرة والذرّة فيها من التذكير والتأنيث… المهمّ لن نغوص بالفلسفة الدينية والكونية ونثبت علمياً هذه النظرية لأنها مثبتة وخالصة، لكن هنا نذكّر بها ليس أكثر…
سأتخيّل يوماً أن أنهض وأجد نفسي في مجتمع كلّه إناث فقط… هل يمكن تقبّل ذلك؟ إنه لشيء منفّر.. ولنفترض أنّ الرجل عاش فقط مع رجال هل يمكن ذلك؟ محال…. ستكثر الجريمة ويغدو آدم الإنسان وحشاً…. إذاً العملية بكل بساطة هي ذكر وأنثى وبكل شيء وبكل جانب وبكل عمل وبكل إنسان وبكل مكان وبكل زمان…. هذا تقدير العليم العلّام الذي قدّر مايكون مناسباً للعيش والخلق والاستمرار…. إنها هندسة تفكيرية وتقديرية لا يصل إليها لبّ كائن أو إنسان…. ولكن هذا الإنسان حين توفّر له كل شيء طغى وبغى وصدّق نفسه ويحاول تغيير قوانين الكون على أرضٍ استأجرها أو قرضها له ربه مقابل العيش وعدم الأذى، فهي ليست أرضه… فطمع وما وعى وسعى للجلوس مكان إله كبير والتحكم بالخلق وتدبير شؤون الخلق كأنه خَلقَهم وهو مثلهم مخلوق وأمثال ذلك كثير كفرعون…. إذ يضع قوانين ويسنّ شرائع حسب ما يرغب حين يصبح قويّاً…
ولنعد إلى ظاهرة التأنيث في الإبداع ولنكن منصفين… وبغض النظر عن نظرية المؤامرة التي تريد أن تقلب الموازين وتجعل من المرأة آلهة تُعبد.
في بلدنا… قضية التأنيث والنفخ والتبجيل فيها، هل هي بريئة؟ هل هي متّهمة؟ ولماذا وكيف؟ أعتقد هناك نيّة ما وتطبيق في المجتمعات الكبيرة لبعض الدول التي نسمّيها متقدمة أو تحكم العالم…هذه النيّة ليست بريئة أبداً…! وربما كلّهم… لكن حاولوا التركيز على موضوع أنّ عصرنا هو عصر الدلو… أي عصر الأنوثة وانقضاء الحروب… وأفول نجم الذكورة التي تتحكم وتخترع الحروب، ومن كان يتابع علماء الفلك والطاقة كيف ملؤوا الشاشات والأدمغة بهذا الكلام لصدقوهم لولا كمّ الحروب الهائلة التي ولعت وكذّبت أحاديثهم…
إنّ من يتابع خفايا التفكير سيعلم بأنّ كل ما يحصل مدبَّر له وليس بريئاً ولم يعد الأمر سرياً فرض قوانين المثليّة الجنسية وسواها مما يغير الخارطة الذهنية والفكرية والبيولوجية والطبيعية والفطرية للإنسان… اسألوا السوريين في ألمانيا ماذا يُطلب منهم الآن للحصول على الجنسية… ومما كان لا يصدقه أحد من قبل؟ بكل بساطة الموافقة والعيش واتباع قوانين الحياة المثلية…! نحن لا نبالغ ولا نضخّم أبداً… لكن في بلدنا لعبوا بعقل المرأة البسيطة بأن تثور على زوجها، وبعقل المرأة المثقفة أنه بالإمكان العيش من دون رجل يصرف عليها فهي تملك مالها وتقدر أن تأتي باستقلالها دون سلطة رجل… شجعوا المرأة تحت أية مزحة صغيرة أو هفوة مع زوجها بإمكانية الطلاق… لعبوا باستقرارها بمسميات شتّى كحقوق المرأة وعدم اضطهادها ومن هذا الكلام الرنّان…. اذهبوا إلى المحكمة وستروا بأعينكم نسب الطلاق ولأسباب تافهة!
وهكذا.. من تفاصيل مدمرة بالخفاء دون علم كالوسواس الخنّاس.
أما عن الإبداع ففي بلدنا سورية لا أجد حالات تأنيث الإبداع.. حتى لو كانت هناك محاولات فقد باءت بالفشل وخطط أسقطها الواقع، فكانت مرارته رحمةً لها. وبالعموم المرأة عندنا مجتهدة أصيلة تمسكت بهدفها حين أتيحت لها الفرصة… هذا كل ما في الأمر… ولكل مجتهد نصيب من رجل أو امرأة.. لكن ظهور حالات متعددة أظهر أن الابداع قد تمّ تأنيثه…. لا أبداً هي نجوم مخفية ظهرت في الليل أو هي طيور مغرّدة استيقظت عند الصباح.. ويا لجمال المرأة والإبداع الأنثوي جنباً إلى جنب مع الإبداع الرجولي الهائل.
والحال التي عندنا من المشهد الأنثوي المتلألئ ظاهرة جميلة وحالة سياق طبيعيّة جداً لامرأة سورية أصيلة مبدعة بالفطرة ومكافحة ومجتهدة، والإبداع في النهاية لا يُجزّأ ولا يُقسّم وإلا تلعثم وتبلكم… وفيه من الغَثّ وفيه من السمين وفيه من الرثّ وفيه من الثمين… وفيه من الذكوري وفيه من الأنثوي، والذكر والأنثى آية الله في الخلق.
العدد 1195 –2 -7-2024