ليست ظاهرة المهرجانات جديدة على واقعنا الثقافي والفكري والتراثي، بل شهدنا حضورها في غير محافظة وبشكل دوري، وكلّ مهرجان يعنى بجانب من جوانب الإبداع سواء على الصعيد الفني بأنواعه كافة، أم لجهة استقطاب المواهب الأدبية، وفي الوقت ذاته تتجه بعض هذه المهرجانات إلى الاحتفاء بالمبدعين لتكريس إرثهم الثقافي ونتاجاتهم جميعها وتعريف الأجيال على رموزهم وخلق جسور تواصل معهم لأنهم جزء لا يتجزأ من الإرث الثقافي دائم التجدد.
وقد شهدت الساحة الثقافية في الآونة الأخيرة حضوراً لافتاً لهذه المهرجانات التي ساهمت بشكل أو بآخر برفع الوعي المعرفي لدى الناس على اختلاف شرائحهم الاجتماعية والثقافية والعمرية، ورفدت المشهد الثقافي بالكثير من الإبداعات وخصوصاً من الشباب الذي يتمتع بمواهب عديدة على مستوى الشعر والقصة والمسرح وغيره من صنوف الإبداع والفنون، لتشكل هذه المهرجانات فرصة ذهبية لتلاقح الأفكار والانطلاق نحو بناء جيل واع يدرك أهمية الحفاظ على إرثه الثقافي والحضاري والسعي نحو التطور والبناء، متسلحاً بقيم الحقّ والخير والجمال.
ولأن الأمم تقاس بثقلها المعرفي وثقافتها، فإننا نجد في المهرجانات بوابة مشرعة للتعريف بتراثنا وأعلامنا وحضارتنا، وهذا بدوره يتطلب جهوداً كبيرة ومتابعة حثيثة لتقديم حضارتنا بما يليق بها، والحقيقة أن الجهات المعنية بشؤون الثقافة والتراث والآثار لا تأل جهداً في توفير البيئة الحاضنة لهذه المهرجانات، التي تشكّل ظاهرة حضارية وتساهم في ترسيخ ذاكرة المكان والقيم الوطنية.. ونذكر منها على سبيل المثال:” مهرجان أوغاريت الأثري، أم الربيعين، مهرجان مصياف المسرحي، ومهرجان الوردة الشامية” وغيرها من المهرجانات التي تغني المشهد الثقافي والمجتمعي بكلّ ما من شأنه أن يكرّس الصورة الألقة لمجتمعنا وتراثنا وحضارتنا. ولكننا نحتاج المزيد من الجهود لحفظ الذاكرة الشفهية والتراث اللامادي بمساهمة فعّالة من المجتمع الأهلي كشريك أساس في جمعه وتدوينه، ففي مضمونه كنوز ثرة من ثقافة الأجداد وإبداعهم وموروثهم العريق.

السابق