ديوان “أتجاذبُ معكَ أطراف الحريق” حديثُ الجَوى والكبرياء

الثورة – رنا بدري سلوم:

هو حديث الرّوح التي لا تسكن الإنسان وحسب، بل تستوطنُ الأشجار الفارعة بالكبرياء وتشكّل الغمام والأديم أيضاً فتصوغ معها حوارات صامتة تارة وصارخة تارة أخرى، هو حديث العين للعين “فلا يردُّ الحبّ إلا الحبّ”.
ديوان “أتجاذب معك أطراف الحريق”، للدكتورة سلمى جميل حدّاد يحملنا إلى كروم اللغة هناك حيث المشتهى، فنقطف مع كل مفردة منه ثمرة يانعة من شوق وانتظار وربما خيّبة.
في كل مرّة أعيد قراءة النص أمعن فيه صورة جديدة، وهنا تبرزُ براعة الشّاعرة في سبر أغوار الكلمة وتضمينها لتخدم الفكرة الشّعريّة “اقتلعني أيها الشّجر من جذور الهواء، أنا المثنى في حضوري والغياب، أنا المفرد في ولائم العطش الرديء، يا نوري المستوطن في حريق الريح.. تراقصني وهجاً من سمرة الحكايات، ما ألفت الخواتيم في حضن الرّماد.. وطقوس حبّي طازجات طازجات”.
نصوص ممتلئة بالنضوج العاطفي، والفكري، تطرح تساؤلات التحليل والمنطق، نصوص محاطة بالدّهشة كانت فيها لغة الشاعرة أرضها وفلسفة وجودها سماؤها “لا أريد للحبّ أن يبقى غريباً.. أنا أرضه وترابي جسدٌ للحياة”.
وكأنك وأنتَ تقرؤها تسير على أرض بتول تلامس عذريّة الطبيعة، تتلمّس نصوصاً شفيفة ولّادة بمفرداتٍ بسيطة تتزاوج فيها الأحاسيس في الحب والالتقاء والتناغم وربما التفرّد.
فكانت حقاً:
“لا أشبه أحداً ولا يشبهني أحدٌ هكذا تفرّدت وبقيتُ في مزرعة الجوري وحيدة كالشّمس أقيم داخل نفسي لا أستضيف فيها”.
“لا قهوة عندي يتراءى في فنجانها حضور يستوقفني يتبادل معي عناوين الغياب كوجه آخر للفراق”.
“زرعتُ قدمي في حذاء التراب كيما أنمو.. كسنديانةٍ تفرد لظاهرها مساحات الضوء ولبطانها مساحات الظلّ”.
الاستحقاق الذاتي عند الشاعرة مرتفع جداً وقد تكثر في نصوصها الأنوات المتعددة في ضعفها وقوّتها فتكتب “نيئةٌ أنا أحجز بطاقة سفري إلى أعماقي”.
وفي نص “غيمة الشّتاء تسكن الحقيقة”، حتى ترتوي شرايين يباسي الطويل وتتلاشى في أناي أنا”.
وفي نص “أنا وجسدي والفراغ” تكتب: أنا سيّدة ذاتي وأمةُ لكل فكرة فيها تمعّنت.
و”في الطريق إلى اسمي” أنا الدمعة المتشظّية هنا وهناك، أنا البقيّة مما تبقّى، واقفة على بعد رصيفِ وحفنة خيبات.
ولم تخل عناوين الديوان من الأنوات أيضاً ومنها “أنا خروج من أنا” وعنوان”أنا وجسدي والفراغ”
“ازداد اقتراباً من أنا” أنا الغريبة” عنوان “أنا وأنت ونحن” لا أنا حين أعدّ خطواتي إليك”.
بعتبة نصيّة جميلةٍ لعناوين واضحة المعالم “أبجدية القلق” لا أريد للحب أن يبقى غريباً “اعتلي بعد أمس عرش الخيال لأصبح حفنة من تراب شجرة”، “طقوس الرحيل”، “حرّة كما الماء”، “دمُ الغروب طريٌّ على شفتي.”
عناوين تشدنا إلى قراءتها وهي تفصح عما تحمل من مشاعر أنثى وامرأة تلتقط بدفئها يخضور الحياة وإن كانت قد آستها، فحافظت على رمزيّة التعابير في أبجديّة الطبيعة وفاكهتها التي أتقنت تطويعها لتخدم الفكرة، فتخاطب كل ما حولها ينبضُ بالحياة:
كم الساعة الآن أيها الحبق المشتول في أحواض المساء؟
كان حضوركَ بخفّة الياسمين مسرعاً كقبلة في الهواء! أنا هنا خلف نافذة أحلامي حرّة كنسيمٍ يحملك إلي اقترب بعيداً كي نبقى اثنين على مسافة واحدة من الحبّ وابتعد قريباً كي تبقى النور المنبعث”!
ثمّة بواعث نفسيّة لدى الشاعرة تتصل بالطبيعة والإنسان معاً ورغبته في التغيير والتجديد وربما التحرر لذا تستحضر القريحة الشعريّة الإبداعيّة، وهو ما لامسناه في جميع النصوص دون استثناء، مرة بشمس لغة لاهبة متقدّة ومرة بغروب حزين، متسائلة” لماذا تحدّق في عيني أيها الغروب الجريح كحبة توت؟ لقد اكتملت القصيدة وخذها فوق التراب كرمّانة هاوية فاتها القطاف”. وتأمر”
انتظر كحبّة خردل اصغي إلى زفير جوريّة شمسها الغياب لا أحد يشبهها ولا هي شبيهة بأحد!.
وبما أنّ الشعر يعد انعكاسًا حيّاً للواقع الإنساني فإنّه لا بدّ أن يصيبه شيء من هذا التغيير ويبقى الحلم الساكن في مضامير الروح، فكتبت أتجاذبُ معكَ أطرافَ الحريق” إلى مشاعر تحرقها الجمر بل تترمّد شوقاً ويسكتها الكبرياء وهو ما اختارته عنواناً لمجموعتها الشعريّة”
بعض الغياب احتراقٌ لا رائحة له
تحت نافذتي قوارب المتوسط وبحّاروه
لكنني أتقنُ الاحتفاء بحروقي
ولا أسكن الرّحيل
نيئةُ كما أنا
أحجزُ بطاقة سفري إلى أعماقي
كي ألتقيكَ فيها
ومعكَ أتجاذبُ أطرافَ الحريق
أما زلت تحبّ الشاي مغلياً على الحروق؟
طاب مساؤك أيها الجمر المشتعل
كشقائق النعمان على عري كتفيّ
طاب مساؤك أيها الحريق”.
تتقن الروائية والشاعرة الدكتورة سلمى جميل حداد الشعر الجديد، لما فيه من جدة الأوان وجدّة البنية الهيكليّة والنمط الذي يسير عليه، وهو ما أطلق بعض النقّاد عليه” “مسمّى الغصن” نظراً لتشابهه بين هذا اللون الشعري وبين الشجرة التي تتفاوت أغصانها في أطوالها، بالإضافة إلى ما يحمله شعر التفعيلة من رموز وعمق دلالات يشبه إلى حد كبير الشجرة وأغصانها

التي تحمل الكثير من الرمزيّة والدلالة.
“أوجع المسافات حين تشويها الدروب! أتجادل مع خطوة تحمل إلى المجهول جسدي.. وأنفاسي عالقات في مضيق الفراغ.”
تختم الشاعرة ديوانها بنداءاتها الجموحة بعد أن جذبتنا إلى حديث الجوى والكبرياء فتقول “أرجوكَ يا سيّدي لا تسردني وأنا نسرٌ في السماء”..!

آخر الأخبار
وقفة تضامنية لأهالٍ من درعا البلد مع غزة "الصحة العالمية": النظام الصحي في غزة مدمر بالكامل  تعزيز استقرار الكهرباء في درعا لتشغيل محطات ضخ المياه الرئيس الشرع يصدر حزمة مراسيم.. تعيينات جديدة وإلغاء قرارات وإحداث مؤسسات  انتخابات مجلس الشعب محطة فارقة في مستقبل سوريا  مرسوم رئاسي باعتماد جامعة إدلب.. خطوة استراتيجية لتعزيز التعليم العالي   ترامب يمدد الطوارئ المتعلقة بسوريا لعام إضافي.. إبقاء العقوبات ومواصلة الضغط  الدوري الأوروبي.. خسارة مفاجئة لروما ونوتنغهام فوريست تكريم وزير التربية للطالب مازن فندي.. إنجاز فردي ورسالة وطنية  الوحدة يُودّع سلة الأندية العربية  فوز هومنتمن على الأهلي حلب في سلة الناشئين هالاند يُحطّم الأرقام مجدداً هل يتواجد ميسي في حفل زفاف كريستيانو وجورجينا؟ إحصائية كارثية لأموريم مع مانشستر يونايتد الشركة العامة للطرقات تبحث عن شراكات حقيقية داعمة نقص في الكتب المدرسية بدرعا.. وأعباء مادّيّة جديدة على الأهالي اهتمام إعلامي دولي بانتخابات مجلس الشعب السوري إطلاق المؤتمر العلمي الأول لمبادرة "طب الطوارئ السورية" الليرة تتراجع.. والذهب ينخفض حملة "سراقب تستحق" تواصل نشاطها وترحل آلاف الأمتار من الأنقاض