هل يأتي الملل من الإحساس بفائض في العيش أم العكس..؟
لم تكن على ثقة كاملة أن الملل أو الضجر هو الذي دفعها إلى تجاهل رسائل بريدها.
على عكس عادتها.. فهي نادراً ما تغفل الرد على رسائلها على اختلاف مصدرها.
أخرجتْ نفسها لبعض الوقت من أن تكون أسيرة في دائرة “ردّة الفعل” التي تفرضها مراسلاتنا اليومية.
بعد أيام.. أجابت سريعاً على تلك المحادثات/المراسلات.. شطبت احتمال استمراريتها.. أنهتها.. وفرحتْ بذلك النوع من القدرة على (الاختيار).. بدا لها وكأنه فائض في العيش.
وكأننا كلّما استثمرنا هامش (الاختيار) الموجود لدينا مهما بدا صغيراً، كلّما قدرنا على تحصيل فائض أجمل من العيش.. وربما أوصلنا إلى إحساس غامر بالسعادة على رأي “فريدريك لونوار”: (أن نكون سعداء أي أن نتعلّم الاختيار، ليس فقط اختيار اللذّات المناسبة… اختيار الهوايات والأصدقاء والقيم التي على أساسها نشيد حياتنا. أن نعيش جيداً يعني أن نتعلم عدم الاستجابة لكل الإغراءات وأن نضع سلماً لأولوياتنا)..
كأنه يقول: العيش الجيد هو الاختيار الجيد..
كعادتها، تسحبُ تلك القاعدة لتشمل تفاصيل يومية وأشياء بسيطة..
حتى حين تضيق مساحة الاختيارات، كانت تلتقط تلك الوفرة في تطبيق خيارها بعدم السير وراء إغراءات لا تتوافق مع أولوياتها..
وهو ما أتاح لها فائضاً زائداً من جمالية العيش.. وليس أي عيش.
تختار ولا تنظر إلى الوراء..
تتأمّل خيارها.. تعيشه وتستثمر كل ما يتيحه ويمنحها إياه من فرص يختزنها..
فلا تراه من زاوية صوابيته أو عدمها.. المهم أنه توافق معها ومع قناعاتها.. وأمّن انسجاماً مع نفسها وفرصةً لعيش الراحة.. وأيضاً الاستمتاع مهما بدا بسيطاً.. ألم يقل (أندري كونت سيونفيل) في حديثه عن فن العيش: (وحده الاستمتاع معلّمنا).
حتى اللحظات التي لن تمنحها الحياة فيها فرصةً للاختيار، بل قرّرتْ واختارتْ هي عنها، كانت تنظر إليها وكأنها استراحة من لعبة الاختيارات.. وتمضي في ذاك الدرب الذي مُنح لها.. لتعود تخلق فيه تشعبات خيارات جديدة، كما طبيعة الأشياء والحياة بعمومها.
هل تصل بنا جودة خياراتنا وقدرتنا على التقاط لحظات الاستمتاع والسعادة، إلى تحصيل جودة العيش نهاية..؟
يبدو كلّ ذلك رهيناً بعدم أخذ أي شيء على محمل الجدّ، كما يوصي “كونت سبونفيل”، مهما تمرّنّا على تحصيل فن العيش: “فلا شيء يستحق أن يؤخذ على محمل الجدّ والخطورة. هذا الحمق هو لبّ الحكمة”.