عندما سألناه عما تحمله الذكرى الحادية والخمسون لحرب تشرين التحريرية من معان ودلالات للقطاع التربوي أجاب وزير التربية: إن هذه الحرب لم تكن مجرّد جولة من جولات الصراع مع العدو الذي يحتل فلسطين وأجزاء غالية من أرضنا العربية في سورية ولبنان، بل كانت ولا تزال نقطة انطلاقٍ في تاريخ العرب ومستقبلهم، نقطة اتّكاءٍ للإرادة العربيّة التي تستطيع، متى شاءت أنْ تستند إلى حقيقة قدرتها على الفعل والإنجاز وتغيير التاريخ وحجز المكان الأكثر احتراماً تحت الشمس، وما تعرضت وتتعرض له سورية على مدار أكثر من ثلاث عشرة سنة من مؤامرة كونية اشتركت في تنفيذها وتمويلها قوى الشر والعدوان والإرهاب بدعم من القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية البغيضة سطر فيها رجال قواتنا المسلحة البواسل أروع صفحات العزة والمجد، وأصبح أداؤهم مدرسةً وأنموذجاً يحتذى به في الدفاع عن الأوطان، مستلهمين عبر ودروس تشرين التحرير، فما تحقق في تلك الحرب من إنجازات لابد أن يأخذ حيزاً كبيراً في مناهجنا التربوية، لأن ما حققه جيشنا وما يحققه اليوم من إنجازات، إنما يعبر عن تاريخ السوريين المتجذر بالحضارة وبالدفاع عن كل ذرة تراب من أرض الوطن.
وبعيداً عن هذا الكلام الدقيق، لابد أن نتحدث عن حرب تشرين التي فيها كتب التاريخ مجداً بحروف الشجاعة والتضحيات.. انتصارات جديدة حققها أحفاد أبطال تشرين، وهنا لا بد أن نشير إلى أن مناهجنا التربوية بمختلف مراحلها قد تناولت حرب تشرين التحريرية، فكانت أغنية خلدها التاريخ، وحدثاً مفصلياً في تاريخ سورية، وتركزت هذه المناهج على الانتصار الذي استعاد من خلاله التاريخ عبقه بعزيمة المقاتل السوري الذي عرف بعنفوانه وعشقه للكبرياء، وإصراره الحتمي على الانتصار والتفوق مهما كانت التحديات والصعوبات.
ونجد أن تلك المناهج تركز على استذكار العبر التي سطرتها ملحمة تشرين ذات الصفحة الناصعة البيضاء التي كانت منعطفاً تاريخياً في الحياة العربية، وفي نظرة الجندي العربي السوري إلى نفسه حين استعاد ثقته بقدرته على اتخاذ المبادرة والانتصار مهما كان نوع العدو وإمكانياته، فسورية كانت وما زالت صاحبة الحق الذي تؤمن به ويؤمن به كل جندي مقاتل في صفوف جيشها، فلا يكل ولا يمل من الدفاع عن أرضه ضد الطامعين بها، ليقدم للعالم صورة ناصعة عن إرادة الشعوب وتصميمها على استعادة حقوقها المغتصبة، وكما قال القائد المؤسس حافظ الأسد: “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”، وهي رسالة تشرين المستمدة من التاريخ تتأكد اليوم لكل معتد ذاق مر الهزيمة في تشرين وتكسر جبروته اليوم أمام الصمود الأسطوري لمحور المقاومة، هذا المحور الذي يشكل بلدنا رأس الحربة فيه.
وإذا ما تحدثنا عما تناولته كتب التربية الوطنية والتاريخ والأدب ولجميع المراحل، نجد أنها أشارت وبكل وضوح إلى أن حرب تشرين محطة تاريخية مهمة, سطر فيها جنودنا أروع ملاحم البطولة في وجه العدو الغاشم, وأحدثت هزة عميقة في الوجدان العربي إلى جانب ذلك رسخت قيم التضحية والصمود والعزة في نفوس الأجيال القادمة، وقد تناولت المناهج الدراسية- كما قلنا- هذه الحرب بمعانيها ودلالاتها لتشكل محطات مضيئة في تاريخنا تعكس الانتصارات التي حققها جيشنا في معارك الشرف والبطولة على امتداد الجغرافية السورية.
بكل الأحوال تحل اليوم ذكرى حرب تشرين التحريرية تلك المحطة المفصلية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وميادين المواجهة مع العدو الصهيوني وداعميه، فهي ليست أكثر من مجرد حدث يأتينا كل عام، فقد تحولت إلى واقع معيش في ميادين التصدي لكل محاولات الهيمنة على المنطقة، فهاهو جيشنا ومعه كل قوى المقاومة يخوض معركة الدفاع عن الأمة العربية وكيانها ووجودها هذه المعركة التي ما زالت مستمرة منذ بدء ساعة الصفر لحرب تشرين التحريرية إلى يومنا هذا، وإن اختلفت الأسلحة وتلون الأعداء وتنوعت طرق القتال، لكن الروح الوطنية والانتماء للأرض لا تزال هي ذاتها عند السوريين والشرفاء من أبناء الأمة.