حماس لافت أبداه محافظ اللاذقية الجديد الدكتور خالد أباظه، منذ أن تولى هذا المنصب عملياً في 19 تشرين الأول الماضي، فبادر إلى اتخاذ جملة من القرارات الجريئة التي أبطل بموجبها عمل العديد من اللجان المتراكمة والتي تشكّلت عبر السنين، لتغدو بالنهاية مجرد حلقات بيروقراطية تختص في مصادرة صلاحيات الكثير من الإدارات العامة والبلديات، فأعاد الصلاحيات إلى مواضعها الصحيحة، وحمّل تلك الجهات – التي جرى انتهاك صلاحياتها – مسؤولياتها الطبيعية من جديد.
ومن تلك اللجان التي ألغاها الدكتور أباظة مثلاً : لجنة متابعة تنفيذ تركيب G.P.S على مولدات الأفران الخاصة بالتنسيق مع الجهات المعنية، تم إلغاء هذه اللجنة وترك الأمر لكل من فرع شركة محروقات، ومديرية التجارة الداخلية في اللاذقية.
وكذلك اللجنة التي كانت مختصة بدراسة التقارير المقدمة من قبل الجهات المنفذة ومقارنتها بواقع التنفيذ الفعلي وذلك وفق الجداول الزمنية الموضوعة، تم إلغاؤها أيضاً على أن يُترك الأمر للجهات العامة المتعاقدة والجهات المنفذة وعلى عاتقهما.. وما إلى ذلك من اللجان المتدخّلة في أعمال غيرها دون مبررات موضوعية.
وما دام الدكتور أباظه يمتلك حرارة الحماسة اليوم وسط ألسنة اللهب والدخان المنبعث من حرائق الغابات التي اندلعت في البدروسية وبعض الجبال الخضراء البديعة في كسب والحفة وجبلة والقرداحة حتى الآن، والتي تنضوي على الكثير من الألم، إضافة إلى ما أحدثته من خسائر مادية باهظة وجماليّة مؤسفة، ولاحظنا كم عانى المحافظ شخصياً في متابعة مكافحة تلك الحرائق ليلاً ونهاراً، فإننا نجد في معادلة الحماسة والحرائق والجهود الميدانية المرهقة، فرصة سانحة لنطرح فكرة علمية مهمة جداً من شأنها أن تقي غابات اللاذقية وغيرها من مثل تلك الحرائق إلى حدّ بعيد، ولا تحتاج هذه الفكرة إلى أكثر من الحماسة والإيمان بها، وما دامت اللاذقية حظيت بهذه الحماسة الذي بات مضموناً فلعلها تحظى – اللاذقية – أيضاً بالإيمان بتلك الفكرة وتشق طريقها نحو التنفيذ.
والمسألة باختصار هي وضع خريطة شاملة للغابات، ومن ثم رسم مساراتٍ بطريقة علمية تخترق تلك الغابات كلها وتطوق المنازل المهددة القريبة من حدود الغابات وأطرافها، ومن ثم الإعداد لحملة شاملة متعددة الأطراف من أجل زراعة تلك المسارات بأشجار التين الشوكي (الصبّار) الذي يُشكّل حاجزاً طبيعياً للحرائق. فالمعروف علمياً وتجريبياً أن الصبار يمتاز بخصائص فريدة يستطيع من خلالها أن يعيق انتشار النيران، وتعمل أوراقه السميكة المملوءة بالماء الهلامي كحاجز طبيعي يوقف زحف النيران، ما يساعد في حماية المناطق المحيطة به من الحرائق، فالصبّار لا يشتعلُ بسهولة لاحتواء ألواحه على تلك المادة، والتي يتوقف عندها الحريق ويخمد وتمنع انتقاله كحاجز رادعٍ لألسنة اللهب وستكون مياهه الكامنة أعتى بالإخماد من أفخم سيارات الإطفاء.
لا شك أن اعتماد هذا الأمر يعني المزيد من الجهد والتكاليف والزمن الذي ربما يطول، ولكن تنفيذه لا يضاهي رُهاب حريق واحد، وقد تخسر البلاد بجولة حرائقية كالتي حصلت في اليومين الماضيين أكثر من تلك التكاليف المفترضة، فضلاً عما يمكن أن يضمنه من السلامة للناس وممتلكاتهم وللغابات.
المشروع حيوي ومهم لعله يحظى ببعض الحماسة والإيمان، ففي كل عام نذوق الويلات والكثير من التكاليف والخسائر المادية والبشرية جراء حرائق الغابات، وقد آنَ لنا أن نقتنع بوضع حد نهائي لمثل هذه الكارثة السنوية.
الأمر بأيدينا ولا داعي للتوقف والتفرّج، فمهما توقفنا وتفرجنا فإن مسير آلاف الكيلومترات – وكما نعلم جميعاً – لن يبدأ إلاّ بخطوة.
السابق
التالي