الثورة _ رنا بدري سلوم:
أخذت ما تبقى من كتبها، بعد أن انتهى معرض الكتاب، أسوة بالشعراء الذين وضعوا كتبهم في دور النشر المشاركة في معرض الكتاب السوري بمكتبة الأسد الوطنيّة.هي ليست مجموعات شعريّة حملتها وحسب، بل حقائب عمر، وصناديق دهشة ومفردات حياة مشاكسة بين العقل والقلب، بين الممكن واللا..
مجموعات «حتى ترضى» «الآنَ بين يديكَ» «بغض النظر» عناوينٌ لافتة للشاعرة زين خضور التي كتبتها بصمت هي إملاءات القلب والفكر والرؤية التي تختزنها من خلال قراءاتها وانشغالها بهموم وشجون المجتمع الأهلي كمحاضرة في «بيت ياشوط» قريتها الجبليّة التي أخذت من طبيعتها صلابتها وعذوبتها في آن، فكان لها دراساتها الفلسفيّة والفكريّة التي تدعو بها مجتمعها إلى الانفتاح الفكري وتقبّل الرأي الآخر، لتدرك دورها كأنثى تجمعها تاء التأنيث بالثقافة والحكمة والأبجديّة والحياة.
وفي حوارنا مع الّشاعرة زين خضور واطلاعنا على ديوانها «الآن بين يديك» نلتمس هذا الوضوح والمباشرة في لغة طيّعة تخدم الفكرة دون قيد أو واجب، بل كانت والكلام لخضور «تترك صنعة الأدب جانباً، لتصغي إلى حديث روحها فتكتب منتظرة ما يملي عليها صوت القلب العقل والضمير، لذا تقلل من النشر لكنها حاضرة حين تدعو الحاجة لإبراز دور المرأة الواعية المثقّفة في المشهد الشعري إن كان على المنبر المحلّي أو عبر الصفحات العربيّة الإلكترونيّة المتخصّصة بالشّأن الثقافي والاجتماعي».
الشاعرة خضور التي تتبع صوتها الشعريّ تكتب قصيدة النثر حرّة من قيد البحور، قارئة بشغف لتستخلص تجربتها الخاصّة بروح العامّة، فكتبت للوطن للوجود للأنثى بكل مكنوناتها ووجدانها، وهو ما تراه في اختيارها لغلاف الديوان لوحة «سلفادور دالي» بعنوان «أحد ما بالشرفة» وكأنّها تختار أن يكون في مداراتها كل المحاولات أن تبقى الأنثى سيّدة نفسها، وإن بقيت قيد انتظار.
تكتب في نص «من هنا يصل» انتظر من هنا يصل الصوت لا حاجة إلى المنابرلا ضرورة لملء الحناجر فبإمكان أصبعه استدارة عين الحقيقة ملء بؤبؤ عينيه أنا قانعةٌ بما بين يدي أرى من عينيك الكون كما أشاء.. فتارة قبساً سماوي اللمحات وتارةً جنّة تروي ملء اتساعها ظمأ فؤاد لم يضنّ حتى بالقليل».
قد تكثر في نصوصها مفردات الانتظار، وهي كذلك في نصوصها تريد أن يتخمّر في ذاتها كل شيء حتى يعطي أبهاه وأحلاه، فلا يهمّها الوقت بقدر ما يهمّها جوهر الأشياء الثمينة التي تبقى رصيداً لها عند أثرياء العقول، وإن كلّفها الانتظارعمراً.
كتبت في نص «المالك الحزين» «يا مالكي الحزين أن تعتاد على الوقوف مثلي على قدم واحدة، وأن تسلم هواك للريح وتمضي بلا شراع يعيدك من جديد، فهذا الكون لا يتنفّس نهاره إلا أمام من قضى ليله مرابطاً ملّ الوقوف على قدمين اثنتين».الحديث مع خضور كديوانها متنوّع الأمداء، لا تبدأ بفكرة وتنتهي بها .. بل تتشعّب كحلقاتٍ متّصلة يطول الحديث عنها واختصارها بكلمات في ديوان، كان للانتهازيين نصيب من هذه الحلقات، تضع خضور ملح حبرها على الجرح فتقول للمنافقين الذين يحجرون على العقل بغرفة الخوف ويقفلون عليه حدّ التخلّف.
«مثل غيمة ملأى يتجاوزون كل صعب ينخرون في جسد البؤس فسادهم عندما يتسنى مرور السواد بلا مذابح سافرة يتعلمون فشلاً غير الذي أعرفه الفشل الوحيد الذي لا حساب له إنه فشل العقل لأجل اللاحياة إنه فشل العقل لأجل اللاعقل أضعف جبنائهم يتجبّرون إنه سخفهم الذي يرددُ كببغاء».ولن نترك الفسحات السماويّة المخصّصة للأنقياء دون الوقوف عندها في نصوص خضور، «هذه الحقيقة» لتُحدّثنا:»مريم تأتي بعد أن ينام البشر تمسح الوجوه وتبشّر بالحياة هي لا تغفل عن أحدٍ فقيراً ضعيفاً محتاجاً هي لا تغفل عن أحد»ٍ.
أمّا هذه الأرض المقاومة حد الجرح فاتخذت لها رقعة من الديوان مازالت هنا وحنظلة يشهد.. فتخاطبه في نص «لم لا تردُّ ؟» لا تدر ظهرك لي لا تتيقّن من إيماني لا لا لا هذا أنا وأبقى أنا إن صلّيت في بيت المقدس أو في البيت العتيق ولا ترسم حلمك على بلّور حديقتنا فأنا أعرفُ لون الدّم ومواسم حصادنا منه كالنّور من الشّمس حنظلة هذا الصّمت ليل أني مشيتُ تحت التابوت وتركت ما فيه».
تأخذنا الشاعرة زين في ديوانها إلى واحد وعشرين نصاً نثرياً ثرياً بالأفكار والضياءات والوعود والآلام والأحلام وياء النداءات ولا الناهيات نصوصاً تتركك تفكر وتبحث عن مفاتيح الفكرة في أبواب المعاني التي قد تكون السهل الممتنع.
ديوان «الآن بين يديكَ «طباعة آس للطباعة والنشر والتوزيع، نختم الديوان وحديثنا مع خضور كما بدأناه بالهم الوجداني العام الذي يتوحّد فينا حدّ التماهي «يا سوريانا نحن من كان هنا نحن من الآن هنا نحن من غدا هنا ولو ضاق ألفُ أفقٍ واتسع نحن قوافلُ قرابين وحقول رياحين في أرضكِ قيامةُ مسيحٍ تموزُ أبداً لن يموت».