الثورة – هفاف ميهوب:
أن يكون لديك المبدأ، أو الرأي الذي لا يمكن أن يهادنكَ عليه أحد، أو حتى الموقف الذي لا تقوم متى شاءت مآربك بتبديله أو تلوينه، طمعاً بمنصبِ أو هروباً من موقفٍ، أو رغبة بكسبِ جولة.. أن يكون لديك كلّ هذا، يعني أنك إنسانٌ عاقل ومتوازن، وقادرٌ على امتلاك ثقة الآخرين، بل والتأثير عليهم، بصدقك وثبات رأيك وعدالة منطقك.
ألا يكون لديك كلّ هذا، يعني أنك منافق، منتفع، متلوّن، وغير ذلك من الصفات التي تجعلك في نظر الآخرين، إنسان غير فاعلٍ أو مؤثّر، أو صاحب دورٍ فعّالٍ ومتوازن.
أقول هذا، وأنا أرى كميّة النفاق التي تستشري هذه الأيام، بين صفوفِ العديدِ ممن يدّعون الثقافة والمعرفة والوعي، ولاسيما أولئك الذين كنت أتلمّس في كتاباتهم، الكثير من الانكساراتِ والإخفاقاتِ، التي لم تُفلح في ترميمها أو إخفاء تشوّهاتها، محاولاتهم بالاستعلاءِ أو الادّعاء، بامتلاكِ ما يعتبرون فيه تميّزاً وأولويّة، لا يرونها أو يعترفوا بوجودها، لدى من يتفوّقون عليهم لطالما، ما يهمّ المكاسب ولا من مُعاتب، في ظلّ تماهي نفاقهم وسياق كلماتهم: أنا ومن بعدي الطوفان، سأجرُّ المرفوع إلى أن يرفعني، حتى وإن خلخلتُ أو خلّعتُ أو حطّمتُ، جميع الرؤى التي لا تتبنّى ما يخدمني، ولا يعنيني إن انتهكتُ مبادئي أو عرّيت حقيقتي.
هذا ما أراه في هذه الأيام، وتؤلمني جداً رؤيته، فلِمَ النفاق إن كنت تتبنّى فكراً حرّاً، وثقافة هي بالدرجة الأولى أخلاق؟!.
لِمَ غيّرت مبادئك؟!. لِمَ لوّنتها بعد أن أوهمتَنا، بأن لا سواد فيها والرمادي لا يعنيها، وبأنها بيضاءٌ وفيّة، كقلبِ سوريّتك؟!.
لا تتلوّن، فالسّوري بحقيقتهِ أجمل.. لا تَكسُر خاطر كلماتك، فتُلبسها العديد من الوجوه التي تتبدّل وتشبه ادّعاءاتك.. مفرداتنا حياةٌ تشعُّ منّا وعلينا، كي لا نتوه وننفصل، عن ذواتنا ومجتمعنا والوطن، الذي نسكنه حباً، نترجّى أن يبقى فيه وفينا.
لا تتلوّن.. لا.. فالسوري بحقيقتهِ أجمل.