“الثورة” تستطلع الآراء حول الصحافة الورقية.. إعلاميون: بمذاق هموم الناس والناطق الرسمي باسمهم بعيداً عن الإيديولوجيا
الثورة – سعاد زاهر:
كأنك تحفر الكلمات بإزميل على صخرة قد تتأثر بعوامل الطبيعة لكن بعد زمن، وبعد الكلمات النادرة التي حفرت كلما رأيناها تحيي في خيالنا روحاً لبشر مروا من هنا، نجحوا أو أخفقوا في مسعاهم.
حين ينكسر إزميلنا نخفق..! ولطالما أخفقت محاولات إصلاحه، أقلامنا ليست مجرد إزميل والصحافة الورقية ليست صخرة تتحدى عوامل الزمن وصداه المتقلب، هناك مجموعة ظروف تتحكم بنتاجك الإعلامي هي التي تودي بإزميلك أو تعيد له الروح، كي يقاوم عاديات الزمن.
نتقن مهنتنا حين نتحداها، اليوم ونحن نحاول الاقتران بإعلام حر، في وقت استثنائي، كيف يمكن لمسعانا أن يؤثر في زمن الذكاء الاصطناعي، خاصة وأننا لم نعد نمتلك شكلاً إعلامياً وحيادياً لطالما تجسد بالصحافة الورقية.
كنا نتصفح صفحاتها بشغف، نمضي في مقالاتنا نتأملها بإعجاب من اخترع أعجوبة.. ونحن نعيش أولى الخطوات نحو إعادة الصحافة الورقية في سوريا التي تعيد تشكيل مختلف مجالات الحياة لتبث فيها الروح والمعنى، كان لنا وقفات عديدة مع كتاب وإعلاميين سوريين وعرب، حاولنا معهم أن نتلمس خطواتنا عل رؤاهم تعيينا على العمل بروح الفريق التي لطالما افتقدناها.
تأريخ لوقائع استثنائية
الصحافة الورقية جزء من ذاكرة كل قارئ على هذا الكوكب يقول الإعلامي مصطفى علوش المقيم في ألمانيا، ولكن قبل الحديث عن أهمية عودة الصحافة الورقية، لابد من التذكير بضرورة عودة القارئ الذي اعتاد كل هذا الوقت الإعلام الرقمي.
بالتأكيد كل من يعشق القراءة ويتابع الأخبار يجد متعة خاصة في رفقة الصحيفة الورقية، ومتعة تقليب صفحاتها لا يعادله سوى متعة تقليب صفحات كتاب أو رواية أو مؤلف ما يعشقه القارئ.
صحيح أننا نتجه منذ عقود نحو الرقمي لكن في عموم العالم تترافق الصحيفة مع موقع الكتروني ومطبوعة ورقية تنشر بنفس اليوم، أيضاً لابد من ملاحظة أن كبار السن، يجدون متعة في متابعة الصحافة الورقية، لأنهم لا يتعاملون مع ما هو رقمي، ويجدون أنفسهم في الورقي.
التعاطي مع الصحافة الورقية يرتبط بعالم المعرفة وذاكرة الثقافة والقراءة، والأمر الأهم أن تنبع قيمة ما تنشره من مصداقيتها، تشويقها، إلى آخر هذه الشروط المتعلقة بوجود الصحافة في حياة الناس.
الإعلامي مصطفى السيد والذي عاصر الصحافة الورقية، يؤكد أن عودتها في هذه المرحلة بالذات له أهمية استثنائية كونها تؤرخ لوقائع في سوريا الجديدة، ويحيلنا إلى القارئ الألماني الذي لايزال يتعامل باحترام مع الورق، رغم الانتقال إلى الالكتروني، فهم يحافظون على سلوك اجتماعي يتعلق بالطباعة الورقية، حيث لديهم في بريدهم يومياً ما لا يقل عن ثلاث رسائل ورقية.
للكاتبة والإعلامية ديانا جبور رأيها النابع من ضرورة عدم احتكار شكل واحد لأي وسيلة تعبير، فالديجيتال له شروط معينة ومتابع من نوع خاص، هناك أماكن لا يمكن القراءة فيها عبر الديجيتال، إضافة الى كل هذا، يوجد دراسات تقول إن رسوخ المعلومات التي نأخذها عبر قراءة الورق أهم وأعمق من رسوخ المعلومة عبر الرقمي، أيضا عندما نتحدث عن الرقمي نحتاج إلى بنية تحتية معينة، لذلك لنتعامل مع الورق كنسخة توثيقية للتاريخ.
دعم حرية التعبير واستقلالية التحرير
الإعلامية فاتن دعبول تؤكد أن عودة الصحافة الورقية في سوريا في هذه المرحلة التاريخية تحمل أهمية خاصة، ليس فقط كوسيلة إعلامية ولكن أيضًا كرمز لتعافي الحياة العامة واستعادة مساحة للحوار والتعبير، بعد سنوات من الحرب والأزمة، كما إن الصحافة الورقية توفر فرصة لإعادة بناء المصداقية الصحفية، خاصة عندما تعتمد على تحقيقات معمقة وتحليلات موضوعية تتجاوز الإثارة السريعة التي تميز الإعلام الرقمي. كما أنها تُعيد التقاليد الصحفية التي تعتمد على التوثيق والتدقيق قبل النشر، مما يعزز جودة الأخبار والمعلومات المقدمة للجمهور.
على المستوى الثقافي والاجتماعي، يمكن للصحف الورقية أن تلعب دوراً في تعزيز الوعي المجتمعي وإعادة إحياء الحوارات الفكرية والسياسية بعيدًا عن الضغوط الآنية للفضاء الرقمي. كما يمكن أن تساهم في دعم سوق العمل، من خلال توفير وظائف للصحفيين والمحررين والمصممين والطابعين، مما يساعد في تنشيط قطاع الإعلام والطباعة.
لكن في المقابل، نجاح عودة الصحافة الورقية يتطلب بيئة تدعم حرية التعبير وتضمن الاستقلالية التحريرية، إلى جانب نماذج اقتصادية جديدة تمكنها من الاستمرار في ظل تراجع الإقبال على الصحف المطبوعة عالميًا. لذا، إذا تمكنت الصحافة الورقية في سوريا من إيجاد توازن بين المهنية، والاستقلالية، والقدرة على مواكبة العصر، فقد يكون لها دور أساسي في مرحلة إعادة البناء على المستويات السياسية، والاجتماعية، والثقافية.
الكاتب والإعلامي أسامة مرة، يأخذنا برأيه إلى منحى آخر حيث يؤكد أن الرسالة السماوية على الرسول صل الله عليه وسلم نزلت بأمر اقرأ، فالقراءة أمر رباني، وأي أمة تريد ان تبرز دورها في مفهوم الحضارة الإنسانية.. تلجأ إلى إظهار النقوشات والكتابات الآثارية سواء من الهيروغليفية إلى السريانية من حضارات تعاقبت على البشرية.
في ظل التقدم العلمي الذي شهدناه من تطور في وسائل التواصل من إذاعة وتلفزيون كله لم يلغ القراءة الورقية، خاصة فيما يتعلق بالأخبار والتحليلات والرؤى النقدية.
حالياً وسائل التواصل الاجتماعي وضعت الناس في موضع شك ضمن الحروب الإعلامية والشائعات وعدم تقدير حملة الأجهزة الذكية على خطورة ما يتم تداوله من أخبار ملفقة أو لها غايات سلبية على الأفراد والأوطان، لكن أي جهة سواء أكانت سلطة أم مؤسسة أم حزباً، تستطيع أن تصل إلى جمهورها بصدق من خلال الوثيقة التي بدورها تؤرخ كتابة، حتى الآن علاقات الدول بين بعضها البعض، الصفقات الاقتصادية.
ويتابع مرة.. حتى على صعيد الأفراد عقود الزواج، شهادة الميلاد، شهادة الوفاة لا يعترف بأي حالة من الحالات على المستوى الإنساني إلا إذا كانت موثقة ورقياً، تبرز قيمة الورق بشكل أكبر في البلدان التي تشهد أزمات، لعدم توفر وسائل التواصل باستمرار لانقطاع الكهرباء.
من جهة أخرى من خلال هذا العالم المنفتح تستطيع أي قوة معادية للوطن بث شائعات تؤثر على واقع التماسك المجتمعي، ومن هنا الخطورة تكمن، بينما عندما تظهر التعليمات وتنشر عبر الصحافة الورقية هي الوثائق الرسمية التي تلجأ لها الدول والأفراد وتشكل قراءة تاريخية.
من أجل هذا كله لابد من دعم وجود الصحافة الورقية بمختلف توجهاتها، مع أننا نعتقد أنه في عالمنا العربي أن الغرب انكفأ عن القراءة، لكن حتى في الغرب لم تنجح القراءة الإلكترونية بأن تكون المهيمنة خاصة فيما يتعلق بالقراءات المعمقة، رغم أن اسمها وسائل تواصل إلا أنها لم تنجح في تحقيق التواصل المطلوب.
ويختم رأيه بالقول: من المهام الوطنية الأولى لأي سلطة حتى تصل إلى قطاعاتها الجماهيرية أن تكون موثقة من خلال الصحف الورقية.
الكاتب والإعلامي سامر منصور يعتبر أن أهمية عودتها ينبع من حاجتنا إلى توثيق النقلة النوعية التي نعيشها، خاصة وأن للتوثيق أهمية وأشكالاً أثارت اهتمام كل أصحاب الفكر وكل من يفكر بالحاضر والمستقبل معاً منذ الكتابة المسمارية على الألواح الحجرية وصولاً إلى أحدث الصحف العالمية التي مازالت توثق بطريقتين الورقية والالكترونية حيث لم تلغ الثورة الرقمية طباعة الصحف الورقية، ونحن اليوم الأحوج للتوثيق نظراً للنقلة النوعية التي نحن مقبلون عليها في سوريا.
ويتابع منصور: بصفتي صحفيا كتبت زاوية أسبوعية في جريدة النور السورية الشيوعية لمدة ثلاث سنوات في صفحة شباب ومجتمع وهي صفحة معارضة للنظام البائد، كما أنني كتبت في صحف النظام (البعث، الملحق الثقافي لصحيفة الثورة) ما يفوق المئة مقال في باب النقد الأدبي والشعري والسينمائي والمسرحي وفي مجالات عدة، أخشى كما كُثر من زملائي حذف التوثيق الالكتروني عبر إلغاء مواقع تلك الصحف على اعتبار أن تلك الصحف كانت أداة تضليل للرأي العام وتلميع للنظام البائد، وأرى أنه يجب الحفاظ على كل وثيقة صحفية ممكنة سواء لأنها إدانة علنية وكشف لسياسات الاستغباء والتعتيم.. إلى آخره التي كان يمارسها النظام وهي ترصد ممارساته ومزاعمه لحظة بلحظة تجاه كل حدث وكل عدوان وقد تساهم في إدراجه تاريخيَّاً في تصنيفات الطغيان العالمي.
في ملمح آخر من الاستطلاع.. من الطبيعي أن يكون للأدباء والشعراء آراؤهم الخاصة النابعة من طريقة تعاطي أرواحهم مع الورق، بعيداً عن التكنيك الذي ينطلق أو يتعاطى معه الإعلامي.
فالشاعر الإماراتي طلال الجنيبي يؤكد أن للورق سحراً لا ينتهي، وللصحافة الورقية إحساس مختلف، من رائحة الورق، والإحساس به، الشعور بما يحتويه من أشكال وتفاصيل وصور، كل هذا في حقيقية الأمر حنين إلى شكل من أشكال المعرفة، التي تربينا عليها، وتعلمنا الإحساس بها، عندما نفقد عنصر الإحساس واللمس والنظر إلى الصحيفة الورقية المطبوعة، يحيلنا إلى منطقة نشعر فيها أننا فقدنا الكثير، ولا نشعر أن الحروف الرقمية التي تأتينا عبر الأجهزة الالكترونية بإمكانها تعويضنا عن كل هذه الأحاسيس.
هل ستكون مثقلة بأعباء الماضي..؟
أهي عودة للصحافة الورقية، أم أننا نَحلم؟ سؤال يتردد صداه في أروقةِ الذاكرة، حيثُ عبقُ الحبرِ ورائحةُ الورق، لا أعتقد بعودة للصحافة الورقية، ولا أظن أن ثمة شيئًا يعود للحياة بعد أن ينتهي تمامًا، كحال الأنظمة البائدة التي تزول، لأن أسباب وجودها قد زالت، تلك حقيقةٌ ساطعة.
بهذه الأفكار يدعونا الروائي والفنان العراقي شاكر نوري للتشكيك بعودة الصحافة الورقية، معتبراً أن تلك العودة قد تكون عبئاً على صاحبها، مثقلةً بأعباءِ الماضي، مما يضطر إلى التخلص منها بعد الانتهاء من قراءتها، كأنها أمسٌ راحَ ولن يعود، وينطبق الأمر ذاته على الكتب التي تتراكم على أرفف مكتباتنا المنزلية بلا جدوى.
هو رأي أرى لزاماً علي نقله لأنه ينطق بلسان بعض الشرائح التي ترى أنها أصبحت معلقة بالرقمي، ويتابع نوري:
ثم إن تصفح الصحيفة الورقية بات مزعجاً للغاية، كمن يحاول فكّ شفرةٍ عصيّة، بينما قراءة الصحف على الأجهزة الذكية أفضل وأسهل، كإبحارٍ سلسٍ في محيطِ المعلومات، وهكذا السيارة الكهربائية، التي استبدلت مئات الوظائف في الآلة، واختزلتها إلى بطاريات فحسب، نحن نعيش عصر الاختزال، عصر السرعة، حتى إننا لسنا بحاجة لتصفح الأخبار، فهي تأتي إلينا على شاشاتنا المتنقلة، كهديةٍ مُغلفة بوميض التكنولوجيا.
إن العودة إلى الصحف الورقية تشبه إلى حد ما العودة إلى الكهوف، حيثُ الوحدةُ والظلام، بينما نحنُ ننظرُ إلى النور، نحو مستقبلٍ مُشرق. تلك هي قسوة التطور، لكنها الحياة.
الناطق الرسمي باسم الناس
كيف نريد صحافتنا الورقية في هذه المرحلة الاستثنائية، ما هو شكلها، كيف يمكن الاشتغال على المحتوى والمضامين الإعلامية، محور آخر طرحناه على المشاركين في استطلاعنا علنا نهتدي بآرائهم.
من وجهة نظر الإعلامي مصطفى علوش: أهم ما يمكن أن تشتغل عليه الصحافة السورية حاليا: هو الابتعاد عن الإيديولوجية، عن الاشتغال حسب مزاج السلطة والحكومة يجب أن تكون على مسافة متساوية من الجميع، وأن تلتزم بالمعايير المهنية والمصداقية وأن نكون إعلاميين مهنيين لديهم روابط للدفاع عنهم والتضامن ما بينهم لأن العمل الصحفي عمل مهني وتطوير العمل الصحفي يحتاج إلى إجراء دورات دائمة للصحفيين أجل تطوير القدرات والمهارات، والأهم عدم الركون للكسل بالمعنى المهني.
في عالم الصحافة لا نتكئ على المثل القديم أن الرتبة الأقدم هي التي تفرض رأيها، على العكس تماماً الصحافة الآن هي صحافة حياة وخبر وكل ما هو جديد، بحيث تكون قدوتنا: كيف تعيش الصحافة في العالم، مع ضرورة ألا نقارن أنفسنا بالماضي بل بالحاضر والمهنية الموجودة في العالم.
في الوقت الذي يرى مصطفى السيد، أنه من الهام أن نعيش تفاعلاً بين الإدارة والشعب من أجل تكوين رأي عام يومي عن القضايا المطروحة، فإن ديانا جبور وهي التي شاركتنا مع السيد العمل طوال عقود في صحيفة الثورة، تقول إنها سوف تعبر عن موقف الحكومة، لكن ما يهمني أن تكون ذات مستوى احترافي عال، وتكون ملتزمة بميثاق شرف مهني.
أما الإعلامي والسيناريست سليمان عبد العزيز وإن كان يعتبر أن عودة الصحافة الورقية مهمة جداً، ولكن لابد من التركيز على كيفية عودتها بحيث ألا تكون تحت وصاية أحد أو تكون صحافة سلطوية تبرر أخطاء الحكومة، نريدها صحافة استقصائية تقترح الحلول.
طالبة الدكتوراه في الإعلام التي تدرس في لندن كنده علي ترتكز في الإجابة عن تساؤلنا عن كيفية تطوير المحتوى الإعلامي أولا على المصداقية والالتزام بالمعايير الصحفية العالمية، مثل التحقق من المعلومات، التوازن في الطرح، والابتعاد عن الإثارة غير المبررة.
وتضيف علي: بدلاً من الاكتفاء بالأخبار العاجلة أو البيانات الرسمية، تحتاج الصحافة السورية إلى التعمق في القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وطرح تقارير استقصائية تسلط الضوء على قضايا الفساد، الأوضاع المعيشية، والتحديات اليومية التي يواجهها المواطن. هذا النوع من المحتوى لا يعزز المصداقية فقط، بل يعيد للصحافة دورها كسلطة رقابية ومصدر موثوق للمعلومات.
كما لا يمكن الحديث عن تطوير الصحافة من دون بيئة قانونية تضمن حرية التعبير وتحمي الصحفيين من الملاحقات أو التضييق. كما أن تشجيع التعددية في الطرح الإعلامي، وإفساح المجال أمام الأصوات المختلفة، يساهم في بناء مشهد إعلامي أكثر حيوية وقدرة على مواكبة تطلعات المجتمع.
إن صحافتنا السورية، تتابع كندة: أمام فرصة لإعادة بناء نفسها، لكن ذلك لن يتحقق إلا عبر تطوير المحتوى، والاستثمار في التكنولوجيا، وتعزيز الاستقلالية. فإذا تمكن الإعلام من استعادة دوره كجسر بين المواطن وصانع القرار، فسيكون قادرًا على المساهمة في تشكيل مستقبل أكثر انفتاحًا ووعياً.
سامر منصور يرى أن هناك الكثير من المضامين التي يمكن التركيز عليها، خاصة تلك الآراء أو المقالات والشخصيات التي قاومت الطغيان الأسدي، وكانت مهمشة وسط طوفان النصوص المؤيدة لخطاب النظام البائد، لذا وجب إعادة نشر تلك النصوص لأحرار الداخل وجمعها في إصدارات أو أعداد خاصة لأنها وثيقة مقاومة للاستبداد وترصد براعة وإباء الكاتب السوري وهي بمثابة أدب تنويري ومواجهة مشرفة في خندق الكلمة والوعي.
#صحيفة_الثورة