الثورة – جهاد اصطيف وحسن العجيلي:
بعد أن دمر المنازل ونهب ما تم منها، وصادر الأراضي الزراعية والبساتين، وكأنها أصبحت ملكا له ولأعوانه، لم يكتف النظام البائد وأزلامه بذلك، بل عمد إلى قطع الآلاف من أشجار الزيتون التي يتجاوز عمرها عشرات ومئات السنين من مختلف الأرياف الواقعة في حلب وإدلب وحماة وريف دمشق وغيرها من أرياف سوريا، بعد أن وضع هؤلاء أيديهم على الأراضي الزراعية، وبدؤوا يزرعونها في ظل تشجيع ودعم من قبل أزلام النظام البائد المخلوع.
جريمة حرب
لأعوام ومواسم سابقة، لم يكن بإمكان أي مزارع في هذه الأرياف جني محصول أراضيهم، خاصة محصول الزيتون، بسبب عدم سماح قوات النظام البائد بذلك، هذا إن سلمت أشجار الزيتون من يد هؤلاء المجرمين المحسوبين عليه من دون أن يقطعوها في جريمة أقل ما يقال عنها إنها جريمة حرب ارتكبها النظام البائد، بهذه الكلمات يصف المزارع عبد اللطيف عرعور من بلدة بسرطون غرب حلب ما آلت إليه أوضاع هذه الشجرة المباركة في الكثير من الريف السوري المشابه.
يقول المزارع عرعور في حديثه لصحيفة الثورة: إنه مع بدء موسم الحصاد كانت العديد من القرى والبلدات، خاصة أرياف حلب وإدلب وحماة تشهد تصعيداً عسكرياً كبيراً من قبل قوات النظام البائد والمليشيات الموالية لها، مستهدفة أراضي الزيتون بشكل مكثف، لمنع الأهالي من جني محاصيلهم التي كانت تعد مصدر رزقهم الوحيد، رغم خوفهم وتهجيرهم، ووفق منهجية مدروسة لتكبيد الناس أكبر الخسائر وإلحاق الأذى بهم.
ويؤكد أنه تعرض لخسائر متلاحقة خلال ٥ مواسم سابقة من زراعة الزيتون، إذ يمتلك نحو ٣٠٠ شجرة، لكنه لم يستطع أن يجني منها شيئا، خاصة أول موسمين، ليتفاجأ بعد التحرير أنه لم يعد هناك شجر زيتون بالأصل، بعد أن قامت قوات النظام وميليشياته بقطع معظم أشجار البلدة والتي يبلغ عددها نحو ألفي شجرة، ما عدا أشجار القرى والبلدات المجاورة، مضيفا أن الأمر ليت توقف عند هذا الحد بل وجدنا أن جزع الشجرة ” مبلول ” بمادة المازوت لكي لا تعود للنمو مجدداً.
ويطالب المزارع العرعور بضرورة محاسبة من أقترف هذه الجريمة وإمكانية تعويض المزارعين بما لحق بأرزاقهم نتيجة همجية وإجرام قوات النظام البائد وما ألحقوه بالبشر والحجر والشجر.
زيتون.. وحطب
المهندسة وفاء الأحمد من كفر حلب، قالت: إن للقرى والبلدات في أريافنا شهرة بالزيتون ومشتقاته، وكان يوجد الآلاف من أشجار الزيتون، منها عمره عشرات السنين، ويعتمد عدد كبير من أهالي تلك المناطق على الزراعة، وبشكل أساسي على محصول الزيتون، إلا أن لقوات النظام البائد رأيا آخر، فقد قطعت الآلاف منها في مسعى منها لتأمين محيط نقاط تمركزها، وجعلها مناطق جرداء يصعب التسلل من خلالها، فضلا عن شحنها وبيعها على مرأى من الجميع، مستغلين غياب أصحاب الأراضي القسري عن أراضيهم، خاصة أنها كانت بضاعة نادرة وثمينة جدا في ظل النقص الحاد بالمحروقات وتباع بمئات وآلاف الدولارات.
لأنها الضامن
بدوره، قال العم أبو إبراهيم من ريف حلب الشمالي- وهو أحد الفلاحين القدامى بالمنطقة: قمت بتربية أبنائي من خلال عملي في أرضي وبيعي لمحصول الزيتون، وكان عندي نحو ١٠٠٠ شجرة زيتون لكن قوات النظام البائد قامت بقطع وتجريف معظمها، والآن بعد أن عدت إلى قريتي سأحاول أن أعيد بستاني، فأنا لا أستطيع أن أتصور نفسي دون أن يكون لدي شجرة مباركة، كشجرة الزيتون، وسأبقى أعلم أولادي على تربيتها من جديد، لأنها الضامن لكي يعيشوا منها هم وأولادهم من بعدهم بعز وكرامة.
نراقب ما يجري بحزن وعجز
فيما قال مازن الحاج- من منطقة خان شيخون بريف إدلب: إنه بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة، كان عناصر النظام والميليشيات التابعة له يعملون على قطع أشجار الزيتون هناك، ومن ثم بيعها كحطب تدفئة، في حين كنا نراقب ما يجري بحزن وعجز.
يتذكر الحاج، كيف زار بلدته لأول مرة في ريف إدلب لتفقد منزل أهله وأراضيهم الزراعية، وبعد انتظار لعدة أشهر، يردف: رفض خلالها أزلام النظام البائد إعطاءه ما يسمى” إذن عسكري” لزيارة المنطقة، بحجة أنها ما زالت منطقة عسكرية وهناك خطر على حياته فيها، وليعلم لاحقا أن أجزاء واسعة من أرضهم والأراضي المجاورة المزروعة بالزيتون قد احترق، وتم قطع الأشجار منها، بحجة حرق القش في المنطقة، معتبراً أن عملية قطع الأشجار كانت تندرج ضمن عملية “تعفيش” واسعة وممنهجة مارستها ورعتها أزلام النظام البائد برفقة الميليشيات المقربة منه في المناطق التي سيطر عليها، خاصة في ريف إدلب الجنوبي.
القضاء على الثروة الشجرية
أمام ذلك ومما كان يحصل من أعمال إجرامية بحق شجر الزيتون، أوضح وقتها العديد من النشطاء من ريفي حماة وإدلب، قيام قوات الأسد والميليشيات الموالية له بقطع أشجار الزيتون والفستق الحلبي، في عدة مناطق ضمن الأراضي التي سيطرت عليها قبل سنوات، مؤكدين ما حذرت منه “هيئة القانونيين السوريين” التي أصدرت وقتها بياناً يفيد أن الميليشيات الموالية للنظام البائد، وبعد أن أنهت عمليات “التعفيش” في بلدات ومدن كفرزيتا واللطامنة ومورك وخان شيخون والتمانعة وغيرها، بدأت بعمليات قطع أشجار الزيتون والفستق، والتي تعتبر أهم الموارد الشجرية في المنطقة.
ولفتت إلى أن قطع الأشجار يتم بشكل واسع ومقصود، بهدف القضاء على الثروة الشجرية وأهم مورد اقتصادي للمنطقة، والتي يعتمد عليها الأهالي في عملهم، وتعتبر محصولهم الرئيسي لأهالي تلك المناطق.
وكانت الهيئة ذاتها قد أصدرت مذكرة خاصة بجرائم الحرب التي ارتكبتها الميليشيات الموالية للنظام المخلوع في ريفي حماة وإدلب وما حولهما، من خلال ارتكاب جريمة حرب جديدة بقطع الأشجار المثمرة في تلك الأرياف، تضاف إلى سجلات جرائمهم و تنذر بكارثة إنسانية واقتصادية وطبيعية في كل من مدينتي كفرزيتا واللطامنة في ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وتوزع الميليشيات الموالية للنظام البائد إلى مجموعات عمل تقوم بقطع الأشجار المثمرة بواسطة مناشير آلية، حيث كانت مصدر رزق لأهالي المنطقة، ويقدر عدد أشجار الزيتون والفستق الحلبي المهددة بالقطع بحوالي مليوني شجرة و متوسط عمر الشجرة ٧٥ سنة.
إدلب الخضراء
بالطبع لا يمكن أن تذكر إدلب إلا ويحضر معها الزيتون، حتى اكتسبت المدينة لقب إدلب الخضراء لكثرة أشجار الزيتون في أراضيها وكم الإنتاج الكبير الذي تقدمه، في الوقت الذي تضاءل حتما بعد قطع آلاف الأشجار وحرقها من قبل أزلام النظام البائد وأتباعه.
وحسب إحصائية غير رسمية فإن إدلب وحدها تمتلك نحو ١٤ مليون شجرة زيتون موزعة على مساحة زراعية تقدر بنحو ١٣٠ ألف هكتار تشمل الأراضي الزراعية المروية والبعلية.
#صحيفة_الثورة