الثورة – سومر الحنيش:
تشهد دمشق التي عرفت بجمالها وعراقتها، اليوم تحولاً غريباً وصادماً في تفاصيلها اليومية، فقد تحولت الأرصفة التي وجدت لتكون ممراً آمناً للمارة في كثير من أحياء المدينة، إلى مرتع للسيارات، مواقف عامة وخاصة، معارض لعرض السيارات، وحتى ورش تصليح متنقلة.
في قلب المدينة في البرامكة والفحامة والكثير من الشوارع الأخرى يضطر المشاة إلى السير في الشارع، فلا يوجد مكان لهم على الرصيف، فعلى سبيل المثال عند ملعب تشرين في البرامكة ترى أصحاب ورش الصيانة قد حولوا الرصيف إلى ورشات تصليح، علب زيت مستعمل، قطع تبديل مترامية هنا وهناك، ومولدات كهربائية بضجيج لا ينتهي.
ويقول “أبو كاسم” صاحب ورشة تصليح متنقلة: “كنت أمتلك محلاً في “حوش بلاس” ، لكن غلاء الإيجارات وارتفاع أسعار القطع أجبرني على الانتقال إلى الرصيف، هنا لا أدفع شيئاً، وزبائني يعرفونني منذ سنوات، ناهيك عن أن الأسعار عندي أقل من المحال”.
من جانبه يرى “سليمان”، صاحب محل في حي الفحامة، أن هذه الظاهرة تسبب لهم خسائر كبيرة، مضيفاً: “الناس تلجأ لورش الأرصفة بسبب فارق السعر، لكن أصحاب المحلات يدفعون فواتير كهرباء وماء، وأجور عمال، وضرائب، في النهاية نحن نتعرض لضرر كبير”.
الظاهرة تتوسع
الظاهرة لا تقتصر على ورش الصيانة فقط، بل باتت الأرصفة في أحياء مثل المزرعة، وشارع الباكستان، الزاهرة، والمزة تستخدم كمعارض سيارات غير مرخصة، تصف السيارات على الأرصفة بشكل منظم، وتلصق على زجاجها الأمامي أوراق للبيع، ما يحول الرصيف إلى صالة عرض مكشوفة.
محمد سعيد- أحد سكان حي المزرعة، يقول: “كل يوم أرى سيارات جديدة واقفة على الرصيف، والباعة أصبحوا يأتون بزبائنهم إلى هنا، كأنها صالة عرض، وكل هذا من دون حسيب أو رقيب، وكأن الوضع طبيعي!”.
بدورها تقول أم عدنان، سيدة خمسينية تقطن في الفحامة: “سابقاً كنا نمشي على الرصيف بأمان، واليوم نضطر إلى النزول إلى الشارع وسط “زحمة” السيارات لأن الرصيف غير متاح، فهو إما أصبح موقفاً لعرض السيارات، أو تحول لورشة تصليح.. وتساءلت: “وين نروح؟!””.
غياب الرقابة
المهندس مالك الخطيب، يرى أن المشكلة تكمن في غياب الرقابة، مضيفاً: إن تحويل الأرصفة إلى أنشطة غير مخصصة لها لا ينتهك فقط حقوق المشاة، بل يشكل أيضاً خطراً مرورياً حقيقياً، خصوصاً في المناطق المكتظة.
ويضيف: إن استمرار هذا الوضع يكرس ثقافة التعدي على الممتلكات العامة، ويعكس فشل الجهات المعنية في فرض القانون وتنظيم الحياة المدنية.
خلاصة القول
في ظل غياب الرقابة وضعف تطبيق القوانين، تبدو الأرصفة في دمشق ضحية جديدة لحالة الفوضى.. وبينما يواصل المشهد تمدده وسط صمت رسمي، تظهر تساؤلات جادة: من يحمي الأرصفة؟ ومن يعيد للمواطن أبسط حقوقه في المشي بأمان؟!.