كلما استدارت لا تصدق أنها نجحت في أن تغادر، هل هي فعلاً من تمكنت من اتخاذ قرارالمغادرة متأخرة لتلحق بمن سبقوها، تاركة ألسنة اللهب تلتهم ذكرياتها وكلّ بقايا حياتها. لم يمض يوم منذ تركت هذا المكان الذي احترق بكلّ ما فيه، إلا وتعود، ما الذي تبحث عنه بين بقايا الرماد، عن ظلّ لم يحترق، عن بقايا ذكريات، عن رماد تحمله وتلف به يوميات الحنين، بحثت عنها طويلاً بين الرماد المتناثر، بين تلك الكومة الكبيرة لتكتشف أن النار لم تترك شيئاً إلا والتهمته.
حاولت أن يأخذ تفكيرها منحى عبثياً كما تفعل عادة في المواقف الصعبة، أن تتخيل أن ما يحدث لسواها، أنها ليست وحدها، مع كل هذا الكم من الحرائق الذي التهم الغابات وبعثرالأحقاد وجعل القلوب تتكاتف علّها تنقذ ما تبقى منا في تلك الأشجار.
كل من زار تلك الدروب واستمع إلى همس الأشجار، وأنصت جيداً إلى لغة الطيور، واستفاق من خساراته وهو يتلمس أوراقها، لا شك أن روحه رفرفت بعيداً كأنها تلجأ إلى الجنة في لحظة حياة خالدة.
مشت أمتاراً قليلة، ولكنّها عادت إلى تلك البقعة من الأرض التي لطالما دخلت إلى كوخها الخشبي مع قطتها الأليفة وكلبها الوفي، وهاهي تفتقد ملامحهما، يعزعليها الخسارات المتكررة، في بلد كأنه منذور للألم، ولكن حين يكون الألم جمعياً يختلف وقعه.
عادة هناك مثل يقول: “النار التي لا تحرقك لا تطفئها”، ولكنّها حين كانت تتابع المشهد السريالي لألسنة اللهب وكلّ تلك المياه المنهمرة من مختلف الأيادي والأدوات والأمكنة، بل وحتى الدول، اكتشفت أن خيبتها الشخصية محدودة، وأملها بكلّ هؤلاء البشر لا نهائي.