لا يختلف اثنان على أن خلق فرص عمل للشباب ليس مجرد أولوية اقتصادية.. بل هو قضية وطنية تحمل في طياتها أبعاداً اجتماعية وإنسانية عميقة، فحين يجد الشاب فرصة عمل كريمة لا يكتفي بتأمين دخله فحسب، بل يصبح جزءاً فاعلاً في تحريك عجلة الإنتاج وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني.
الاقتصاد الذي يفتح أبوابه للشباب هو اقتصاد قادر على التجدد والتوسع، لأن الطاقات الشابة هي الأكثر إبداعاً وجرأة على التجربة، فكل فرصة عمل تُمنح لشاب تعني مشروعاً صغيراً يبدأ في النمو أو خدمة جديدة تُقدَّم أو منتجاً وطنياً يجد طريقه إلى السوق المحلي، وربما الخارجي، ومن هنا يبدأ الرفد الحقيقي للاقتصاد، إذ تتحول الطاقات المعطلة إلى إنتاج فعلي ينعكس على الناتج المحلي ويزيد من قدرة الدولة على الاستثمار في البنية التحتية والخدمات.
لكن الأثر الأعمق لسياسات التشغيل لا يقتصر على الداخل، بل يمتد ليطال ملفاً حساساً هو عودة المغتربين والمهجرين.. حين يرى هؤلاء أن بلدهم يوفر بيئة عمل جاذبة وقوانين مشجعة وحوافز استثمارية واضحة، يصبح قرار العودة أكثر واقعية، فالاغتراب لم يكن يوماً خياراً مفضلاً، بل غالباً ما كان مخرجاً اضطرارياً بحثاً عن فرصة.
اليوم، يمكن لبرامج تشغيل الشباب، المقرونة بدعم حقيقي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتسهيلات ضريبية ومالية أن تخلق مناخاً جديداً يربط بين الداخل والخارج، فعودة الخبرات المهاجرة تحمل معها رأس المال المادي والبشري، ومعه قصص نجاح وتجارب عالمية يمكن توطينها لتطوير الإنتاج والخدمات.
إن خلق فرص العمل ليس مجرد بند في خطة اقتصادية.. بل هو استثمار في الاستقرار الاجتماعي والسياسي وضمانة لبقاء العقول والطاقات داخل الوطن، ومن دون هذا الاستثمار ستظل عجلة الإنتاج تدور ببطء فيما تبقى طاقاتنا الحقيقية في حالة انتظار.