همسة زغيب:
يحمل فن الموزاييك الدمشقي في تفاصيله أصالة دمشق وعبق وعراقة تراثها، وقد كان حاضراً ضمن فعاليات معرض دمشق الدولي، حيث تحدث الحرفي أيوب عجاج المشارك في المعرض عن أهمية هذه الحرفة مشيراً إلى أن الفضل في ابتكار الموزاييك الدمشقي الحديث يعود إلى الحرفي الدمشقي جورجي جبرائيل بيطار، فهو أول من صنع قطعة موزاييك عام 1860، وابتكر تقنيات التطعيم من خلال استخدام قضبان خشبية ملونة طبيعية ذات أشكال مثلثية أو مربعة، تُلصق بدقة على المصنوعات الخشبية باستخدام الغراء الطبيعي. كما أسس بيطار مدرسة لتعليم هذه الحرفة، ما ساهم في نقلها لأجيال من حرفيين نشروها محلياً وعالمياً.
وأضاف عجاج أن فن الموزاييك ازدهر بين عامي 1920 و1940، وبلغت أعماله أروقة المعارض الدولية مثل معرض فيينا، ووصلت إلى الفاتيكان ومقر الأمم المتحدة، ما جعله سفيراً ثقافياً يعكس هوية دمشق الحضارية والفنية.
تُصنع قطع الموزاييك الدمشقي باستخدام مواد طبيعية من أخشاب محلية ذات جودة عالية، أبرزها خشب “الجوز المعتق” ويُستخدم كأساس للعمل، وخشب “الورد” للون الأحمر، وخشب “الليمون أو الزيتون” للون الأصفر، وخشب “الكينا والزان” لألوان أخرى طبيعية. ويُطعم الخشب بمواد طبيعية مثل الصدف والعظم، وتُنفذ التصاميم بأشكال هندسية متقنة، دون استخدام أصبغة صناعية. وإنجاز القطعة الواحدة قد يستغرق شهوراً، ويجمع بين الإبداع اليدوي والدقة الهندسية.
وأوضح أنَّه بسبب التحديات التي تواجهها هذه المهنة اليوم يلجأ الحرفيون إلى إدخال الخشب الفليبيني كبديل عملي للأخشاب المحلية النادرة والمكلفة، لتميزه بخصائص تجعله مناسباً لهذه الصناعة، كما يمكن دمجه مع مواد أخرى مثل الزجاج أو الصدف الصناعي، لتقديم قطع تلائم الذوق المعاصر دون الإخلال بالأصالة.
ورغم الصعوبات كلها، يبقى فن الموزاييك الدمشقي تراثاً حضارياً لا يُقدّر بثمن، وهو ليس مجرد مهنة، بل تجسيد حيّ للتاريخ والثقافة السورية. وما يحتاجه هذا الفن اليوم هو دعم جدي لتأمين استمراريته وتوريثه للأجيال الجديدة، لتبقى دمشق مدينة الحرف والإبداع، وتظل أنامل الحرفيين تنطق بالتراث كما كانت دائماً.