تدهشني العدالة الإلهية، ويدهشني إيمان الشعراء المتجذر حين تركوا آمالهم قصائد، وحبرهم شواهد.
شاعر المخيمات “نادر شاليش” في ذكرى وفاته، من هؤلاء الذين أرسلوا للسماء استقراءهم أن العودة قدر محتوم، في قصيدته الشهيرة “أرسلت روحي إلى داري تطوف بها”، فقرب منزله المدمر في بلدة كفرنبودة، أقيمت أمس فعالية تكريماً لروحه وأدبه ومواقفه الوطنية، بحضور وزير الثقافة محمد الصالح.
جميلة هذه التكرمة لرجل عاش سنواته الأخيرة بمخيمات أطمة على الحدود السورية – التركية، وترك من شعره ما يؤلم القلب ويذيب الروح لشوق لقاء لم يعشه، و إصراره على العودة إلى داره رغم المآسي، ولا بدّ أن نسترجع ما قاله عن أمل يبرق في عيون أهالي بلدته وكأنهم يقولون له: “عد فقد بُدد الليل وسطع النور، وإن الظلماء اليوم ترتحل”، ولا بدّ أن تجيب الدار على ما ترك شاليش لها من أسئلة في شعره:
أَنْ تَسْأَلَ الدَّارَ إِنْ كانَتْ تَذَكَّرُنَا
أَمْ أَنَّهَا نَسِيَتْ إذْ أَهْلُهَا رَحَلُوا؟
أَنْ تَسْأَلَ السَّقْفَ هَلْ مَا زَالَ مُنْتَصِبَاً
فَوْقَ الجِدَارِ شُمُوْخَاً رُغْمَ مَا فَعَلُوْا؟
أَمْ أَنَّهَا رَكَعَتْ للأَرْضِ سَاجِدَة
تَشْكُوإِلى اللهِ فيْ حُزْنٍ وَتَبْتَهِلُ؟
بقيت أسئلته المفتوحة مشرعة لقدر يشهد عليه النخيل، وشجرة التوت، والتين، والزيتون، والأعناب الدانية، كلها شواهد استحلفها الشاعر في قصائده وواساها بالصبر والأمل بالعودة، وها قد عادت وبقيت روحه تطوف حول ركام منزله، لتقول نعم هنا كنا ومررنا، ولا تزال حروفنا تصلي الرجوع، وبقيت هذي الأرض شاهدة، رغم دموع ركامها وحطامها، إنها تتنفس فرح الحرية من قيح الجروح وآلام النزوح.