الثورة – همسة زغيب:
تُطرّز هبه الحمصي، الحرفية الدمشقية، مشاهد من الحياة اليومية على قماش أبيض، وكأنها تكتب بالضوء والخيط في كل غرزة، تنسج حكاية، وفي كل لون، تُحيي ذاكرة بيت أو امرأة أو مناسبة، لا تعمل بالإبرة فقط، بل تُمارس فعلاً سردياً بصرياً، يمنح القماش صوتاً إنسانياً لا يُنسى.
من حارات دمشق القديمة حيث تختلط رائحة الياسمين بصوت المطر، تجلس خلف طاولة صغيرة، تُثبت القماش داخل طوق خشبي، وتبدأ رحلتها مع الخيط باستخدام خيوط حريرية وأقمشة تقليدية، وتُبدع في رسم مشاهد طبيعية، وشخصيات نسائية، وعبارات وجدانية تُطرّز حسب الطلب، مما يمنح كل قطعة طابعاً شخصياً. ثم تبدأ رحلتها مع الإبرة والخيط، وتستخدم إبراً دقيقة ذات رأس مدبب، وتستعين بقلم خاص لرسم النقوش قبل تنفيذها، وتُفضّل القماش القطني أو الدمشقي، وتُنفّذ غرزاً متنوعة مثل السلسلة، والعقدة الفرنسية، والساتان، لتمنح العمل عمقاً بصرياً شعورياً، وفي كل غرزة تروي حكاية، وفي كل لون تُحيي ذاكرة بيت أو امرأة أو مناسبة.

تُجسّد الحمصي في أحد أعمالها فتاة تقف وسط حقل من دوّار الشمس، تنظر إلى السماء، في مشهد مطرّز بدقة داخل إطار خشبي دائري، مستخدمة الألوان الدافئة، والتفاصيل تنبض بالحياة، وكأن الإبرة تحوّلت إلى قلم يكتب لحظة تأمل.
تقول هبه الحمصي “كل غرزة هي حكاية، وكل لون يحمل ذاكرة بيت أو امرأة أو مناسبة”، مؤكّدة أن التطريز يتطلّب صبراً وعملاً دؤوباً، وكانت النساء بالماضي يجسّدن جمال الحياة من خلال هذه التطريزات الرائعة.
تعرض الحرفية أعمالها على منصات التواصل الاجتماعي، وتُشارك في معارض الحرف اليدوية، وتنفّذ طلبات خاصة للمناسبات الشخصية، مما يمنح كل قطعة طابعاً وجدانياً فريداً. جمهورها لا يبحث فقط عن الزينة، بل عن قطعة تحمل أثراً من الروح، دفئاً من الذاكرة.تُعيد الحرفية تعريف التطريز كفن حيّ، كوسيلة للتعبير عن الذات، وكأداة لتوثيق الحنين في زمن السرعة، تظل غرزة الإبرة فعلاً مقاوماً، يُبطئ الوقت، ويُعيد للذاكرة ملمسها الحقيقي.
