الثورة – سعاد زاهر:
في فيلمه القصير “فقدان”، يعيد المخرج السوري رامي قصاب صياغة واقعة حقيقية حدثت عام 2017، حين حاولت مجموعة من اللاجئين السوريين عبور الصحراء باتجاه مصر داخل شاحنة صغيرة، قبل أن تتعرض رحلتهم لصدمة غيّرت مصائرهم إلى الأبد.
في قلب هذه الحكاية، تظهر أم شابة “يارا قاسم”، تفقد ما لا يمكن تعويضه، لتغدو ملامحها الشاحبة وصمتها العميق أكثر بلاغة من أي حوار، الفيلم الذي لا يتجاوز عشر دقائق، يضع المتفرج أمام سؤال.. هل النجاة ممكنة فعلًا إذا كان ثمنها فقدان ما يساوي الحياة نفسها؟.
اعتمد القصاب على صحراء موحشة تتحول من فضاء عبور إلى كابوس مفتوح، وعلى صندوق الشاحنة الضيق كرمز للاختناق الوجودي، مقابل اتساع الرمال الذي لا يَعِد بأي أفق.
الضوء الفجري البارد، ارتطام السيارة بالصخور، الموسيقا التي تلامس حدود الجنائزية، كلها عناصر سينوغرافية تُحوِّل المشهد إلى مسرح للفقدان لا للنجاة.
هنا، لا حاجة للإطالة في الحوار، فالصمت ذاته يصرخ، والمكان يصبح بطلاً موازياً يروي قسوة الرحلة ويؤكد أن المنفى ليس جغرافية بل حالة نفسية.
تكمن خصوصية “فقدان” في قدرته على اختزال المأساة السورية في لقطة وجودية مكثفة، الهروب من موت إلى موت آخر، وهو بقدر ما يُسجِّل تجربة إنسانية محددة، يُحوِّلها إلى شهادة كونية عن ثمن البقاء، وعن العتمة التي يعيشها المهاجرون بعيداً عن عدسات الإعلام.
أن يُعرض الفيلم في دار الأوبرا بدمشق ليس مجرد حدث فني، بل مصالحة رمزية مع المدينة الجريحة، وتأكيد أن السينما لاتزال قادرة أن تحمل وجع الناس إلى فضاء الضوء.
