الثورة – أحمد صلال – باريس:
كأي حالٍ سينمائي في هذا العالم، لا بد للتغيرات الكبرى، الدرامية، لدى المجتمعات، كانقلابات وثورات وحروب، أن تُسقط تأثيرات على الصناعة الفنية للمجتمع، السينما منها تحديداً كونها صناعة جماعية، وبتلقٍ جماعي، فتتعلق بشكل أوثق بالتغيرات المجتمعية، أكثر مما يمكن أن تكون عليه الروايات مثلاً، حيث تُؤلَف وكذلك تُقرأ فردياً.

عُرض فيلم “الليل الطويل” للمخرج السوري الراحل حاتم علي، وحصل على جوائز في العديد من المهرجانات الدولية.
في خريف عام 2009، لم يُدعََ فيلم “الليل الطويل” للمخرج السوري حاتم علي إلى مهرجان دمشق السينمائي، رغم عرض أكثر من 250 فيلماً روائياً وقصيراً من حوالي 50 دولة.
يروي الفيلم قصة ثلاثة سجناء سياسيين بعد إطلاق سراحهم، وفي الوقت نفسه، يرصد الفيلم معاناة عائلاتهم التي نظمت حياتها اليومية في غيابهم، يدعو الفيلم إلى المصالحة من خلال حبكته التي تحكي عن زواج ابنة أحد السجناء، التي كانت مسجونة آنذاك، من ابن صديق سابق، مسؤول حكومي، إنها دعوة للمصالحة ولإنهاء هذا الوضع الاستثنائي الذي نعيشه، كما يرى الفيلم.
أدى وصول بشار الأسد المخلوع إلى السلطة في تموز 2000 إلى فترة انفتاح نسبي عُرفت بـ”ربيع دمشق”، وانتهت باعتقال عشرة نشطاء ديمقراطيين في صيف عام 2001، وسُجن معارضين، ومثقفين، ومحامين، طالبوا بإرساء الحقوق السياسية التي انتُهكت في سوريا على مدى قرابة خمسة عقود.
شارك في بطولة الفيلم ممثلون بارزون، مثل خالد تاجا، وأمل عرفة، وباسل خياط، ورفيق السباعي، وسليم صبري.
الفيلم انتظر العرض، ولكنه لم يعرض، وآثار استياء لجنة الرقابة، ولم ترحّب به، لكن الموضوع حساس، فهو يُناقش للمرة الأولى، وبالتالي يجب أن يأتي الترخيص من جهات عليا، هكذا علقت لجنة الرقابة.
وأشير إلى أن الأفلام الروائية السورية التي مُنعت لعشرين عاماً- تُعرض حالياً في المهرجانات المحلية- لا تزال غير متاحة للجمهور، وقد حصل صناع العمل على إذن للسيناريو، لأنه في سوريا لا يُسمح بالتصوير سراً.
أقرّ أن الفيلم الروائي لم يخلُ من الجرأة، بل هو في مصلحة الجمهور، ويعكس انفتاحاً ومساحةً من الحرية، الموضوع سبّب إحراجاً لموظفي الرقابة من المستويات الدنيا الذين لم يتخذوا قراراً.
بالنسبة لحاتم علي، المعروف بإنتاجاته التلفزيونية المستوحاة من التاريخ، إنه فيلم يتناول قضية إنسانية بحتة، بعيداً عن الشعارات “السياسية”، ويطرح بعناية مشكلة السجناء السياسيين.

فاز فيلم “الليل الطويل” بجائزة أفضل فيلم في مهرجان الفيلم الآسيوي بالهند، ومهرجان دول البحر الأبيض المتوسط، كما كُرِّم في مهرجان القاهرة السينمائي، وحاز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان روتردام السينمائي، كما عُرض الفيلم في مهرجانات مونبلييه “فرنسا”، وبروكسل، ووهران “الجزائر”، وأبو ظبي.
وُلد حاتم علي عام ١٩٦٢، ودرس المسرح، ونشر مجموعتين قصصيتين ومجموعة مسرحيات، درّس التمثيل في المعهد العالي للمسرح بدمشق، وأشرف على مشاريع تخرج، كتب العديد من سيناريوهات المسلسلات التلفزيونية والسينمائية، وأخرج العديد من المسلسلات التلفزيونية التي لاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وحاز عنها على جوائز.
في عام ٢٠٠٧، أخرج فيلم “شغف”، وهو فيلم قصير من إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، وفي عام ٢٠٠٩، عُرض فيلمه الروائي الطويل الثاني “سيلينا” في دور العرض، فيما فيلمه الروائي الطويل الأول “الليل الطويل” مُنع من العرض آنذاك.