الثورة – آنا عزيز الخضر:
مهما تألقت الأفلام الروائية وأبدعت في عناصرها الفنية ومعطياتها وتقنياتها، لن تكون كالوثائقية في مصداقيتها واستحواذها على المشاعر الإنسانية، فهي تأسرك بعالمها الخاص، وأجوائها وحقائقها لننشغل بتفاصيلها، وننسى أننا أمام أي نوع من أنواع الفنون، خاصة عندما ترتبط بالواقع السوري، وما عاناه الشعب أثناء الحرب في كل مجالات حياته.
ذلك كله وجدناه عبر أفلام تظاهرة سينما الثورة السورية، والتي رصدت الوجع والألم والجراح الكثيرة المفتوحة على أرواحنا، فقدمت صوراً حية متنوعة أضاءت على معاناة الشعب السوري، وما عاشه من مأساة وحرمان وتهجير. ومن هذه الأفلام “العودة إلى حمص” إخراج طلال ديركي، والذي نقل صوراً من الواقع ومشاهد برؤية فنية ممزوجة بروح المسؤولية لتقديم الوجع السوري، حاملاً رسائلَ عظيمة، يتوجب على الفن القيام بها بأشكاله المختلفة.
“العودة إلى حمص” فيلم وثائقي صُور على مدى ثلاث سنوات راصداً ومُوثقاً الكثير من التفاصيل اليومية للعديد من الشخصيات الحقيقة وتحولات حياتها وعذاباتها، الشخصية الأولى كانت عبد الباسط الساروت والثانية الناشط أسامة الهبالي، وروى الفيلم حكايات وقصص مأساوية عن الحصار والتهجير والنزوح والهروب من واقع مؤلم. وها هو “أسامة الحمصي” الإعلامي الساخر الذي يوثق لحياة الناس بكل صدق وموضوعية ويكتب عن أوجاعهم والنزاع والحرب، ثم يغيب ولم يُعرف عنه شئياً، وقد رافقته الكاميرا لتخرج حياته إلى العلن وتصبح تحت المجهر في فيلم تسجيلي يُعبّر عن حياة الكثيرين ممن عانوا الويلات في مدينة حمص، ويتعمق الفيلم في تفاصيل واسعة ويمر على تواريخ وتحولات وأحداث وحالات إنسانية واجتماعية ونفسيه، ليكون أسامة شخصية من بين كثريين عاشوا مأساته وانكساراته، وقد عبّر المخرج عن هذا الجانب عبر تصريحاته، إذ قال “جسد الفيلم رصداً إنسانياً لحياة الناس منذ بدء الاحتجاجات السلمية وتحولها إلى نزاع مسلح فحرب وتهجير ودمار”. لاقى الفيلم النجاح الكبير ودعاه أكثر من 80 مهرجاناً سينمائياً في العالم، وتم استقباله في صالات أوروبية وأمريكية، وحصل على ثلاثين جائزة، منها جائزة مهرجان سندانس الكبرى لأفضل فيلم تسجيلي عالمي.