الثورة – سعاد زاهر:
في لحظة استثنائية من تاريخ سوريا الحديث، تتجلى روح الوطن في تلاقي الداخل مع الخارج، إذ يسعى السوريون لإعادة رسم ملامح بلدهم بعد سنوات من الانقسام والصراع، لم تعد الجاليات السورية حول العالم بعيدة عن نبض الداخل.. بل أصبحت شريكاً فاعلاً في رسم مستقبل الوطن، وبين اللقاءات الرسمية، والاستقبالات الحافلة، والعريضة التي وقّع عليها نخبة من المثقفين والسياسيين، يتضح أن السوريين متحدون في رؤيتهم لمستقبل حر وكريم، يحمل قيم الوحدة، الحرية، والمواطنة المتساوية.
من هنا.. يصبح كل لقاء، وكل خطاب، وكل خطوة نحو التواصل بين الداخل والمهجر، معبرة عن إرادة وطنية جديدة تجمع السياسة بالشعب، والسلطة بالناس، لتفتح فصلاً جديداً في مسيرة سوريا نحو الاستقرار والتقدم.
العريضة السورية إلى قادة العالم
العريضة التي وقّع عليها نخبة من المثقفين والسياسيين السوريين في الداخل والخارج، حملت لغة سياسية واضحة، تعكس إرادة جديدة لصياغة مستقبل البلاد، وجّهت رسائلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس الأميركي، وخادم الحرمين الشريفين، والرئيسين الفرنسي، والتركي، إضافة إلى عدد من القادة الدوليين، مطالبة بدعم سوريا موحدة لجميع أبنائها بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع خلال المرحلة الانتقالية.
تضمنت العريضة عدة محاور جوهرية:
• تأكيد وحدة سوريا: رفض قاطع لأي مشاريع انفصالية، وتثبيت مبدأ أن سوريا وطن لجميع أبنائها على أساس المواطنة المتساوية.
• دعم المرحلة الانتقالية: التركيز على بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي السورية، ضبط السلاح غير الشرعي، ومحاربة المخدرات، لضمان بناء دولة قوية قادرة على حماية مواطنيها.
• رفع العقوبات الدولية: مطالبة واضحة بإنهاء العقوبات التي استنزفت الشعب السوري بعد سقوط النظام السابق، مع التأكيد أن أسبابها قد زالت وأن استمرارها لم يعد مبرراً.
• إعادة الإعمار وعودة المهجرين: الدعوة إلى تأمين عودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم بكرامة وأمان، ومواصلة جهود إعادة بناء المدن المدمرة وتعزيز البنية التحتية الوطنية.
• المصالحة والعدالة الانتقالية: التأكيد على أن المصالحة الوطنية شرط أساسي لإعادة بناء النسيج الاجتماعي وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
على الرغم من الطابع الرسمي للعريضة، فإن جوهرها يعكس توق السوريين لاستعادة وطنهم من براثن الانقسام والدمار، وإعادة تعريف علاقتهم بالعالم من موقع الندّية والشراكة، دون الانغماس في منطق الوصاية أو الخضوع لمشاريع خارجية.
هل بدأ زمن سوريا الجديدة؟
على بعد آلاف الكيلومترات من دمشق، وحلب، وإدلب، صنع السوريون في نيويورك مشهداً رمزياً لا يقل تأثيراً عن العريضة نفسها، استقبلت الجالية السورية الرئيس أحمد الشرع في قاعة غصّت بالحضور.
ورفع الجميع هتافاً جماعياً: “ارفع رأسك فوق… أنت سوري حر”، لم يكن هذا الهتاف مجرد شعار، بل امتداد لمهرجانات الفرح التي شهدها الداخل السوري بعد سقوط النظام البائد، ويعكس شعوراً جماعياً بالحرية والكرامة، ويؤكد أن السوريين، مهما ابتعدت بهم المنافي، ما زالوا يتنفسون حلماً واحداً، سوريا موحدة، حرة وكريمة.
في تصريح له، شدّد الإعلامي السوري المقيم في ألمانيا، مصطفى السيد في حديثه لـ”الثورة” عبر “الواتساب”، على الدور الحيوي للسوريين في المهجر، معتبراً أنهم أصبحوا سفراء سوريا الحضارة في الغرب، السوريون الذين عبروا البحر هرباً من الطاغية الذي دمّر سوريا، كنتم مثالاً للصمود والإصرار، عملتم المستحيل لإنقاذ أرواحكم، ولإثبات ذاتكم في المجتمعات المضيفة، نافستم بقوة لتظهروا أنكم تستحقون الحياة مثل كل شعوب الأرض.
في زمن تتسارع فيه الرياح السياسية والإعلامية لتشويه صورة سوريا الجديدة، علينا أن نكون سفراءها في المجتمعات الغربية التي تستضيفنا، لسنا نتحدث هنا عن الدبلوماسية الرسمية، ولا عن دعم أي حاكم، بل عن واجبنا اليومي في الحفاظ على وحدة سوريا، مواجهة مشاريع التقسيم الطائفي، واستعادة هويتنا الوطنية.
السفارة اليومية هي أعمالكم وكلماتكم وابتسامتكم التي تهزم اليأس، لتظهر الوجه الحضاري لسوريا الحرية والكرامة، إنها فرصتنا كسوريين لإعادة كتابة الرواية بأيدينا”
رأس مال حقيقي
في تصريح آخر، أكد عبد الله النوري من الجالية السورية في تركيا، ناشط وصاحب مؤسسة دولية للإدارة والموارد البشرية، عبر “الواتساب” أهمية الجاليات السورية في الخارج في دعم الوحدة الوطنية وتعزيز التنمية، مشيراً إلى أن نشاطات الجالية يجب أن تكون منسجمة مع فكر الشعب السوري وعقليته، وبنيت على الصمود والتحديات التي تغلب عليها السوريون.
ولفت إلى أن السوري ليس لاجئاً أينما ذهب، بل قادر على العمل والتميز، والمهم أن تلعب الجالية السورية دوراً فاعلاً في تمثيل سوريا عالمياً، كما رأينا في تجربة استقبال الرئيس أحمد الشرع في الولايات المتحدة.
وبين أن لقاء الجاليات السورية في مختلف دول العالم يبرز جودة وكفاءة رأس المال البشري السوري وقدرته على الاندماج والعمل بفعالية في مجالات متعددة، مستثمراً خبراته ومهاراته لخدمة مجتمعاته المضيفة، هناك فرص كبيرة للعمل مع الجاليات لتعزيز الرؤى الموحدة والاستمرار في التقدم، سواء في الداخل أم الخارج، من أجل بناء سوريا واحدة موحدة، التقدم العلمي والمعرفي الذي حققته الجاليات في الخارج يمكن أن يحفز من في الداخل ويشكل رأس مال بشري مهماً يدعم تطوير سوريا وازدهارها.
إن ما جمع بين العريضة في دمشق وبين اللقاء في نيويورك هو الروح ذاتها، روح الوحدة والتطلع إلى مستقبل لا مكان فيه للاستبداد ولا للتجزئة.. في العريضة، لغة سياسية واضحة تضع شروط المرحلة الانتقالية، فيما اللقاء، لغة وجدانية صافية تعبّر عن عطش السوريين للحرية والكرامة.. سوريا اليوم رمز لجدلية الصراع بين الخراب والنهضة، بين الانقسام والوحدة، بين اليأس والأمل.
العريضة كانت صوت نخبة سياسية ومجتمعية تقول للعالم: السوريون جاهزون لاستعادة وطنهم، إن لقاء نيويورك كان نبض الناس يقول للرئيس: الشعب مستعد أن يسير معك في رحلة التعافي والبناء.. عند هذا المفترق الحاسم، تبدو سوريا كأرضٍ يلتقي فيها صوت الداخل بصوت الخارج، ويلتقي فيها خطاب السياسة مع نبض الشارع.
الرئيس أحمد الشرع لم يعد مجرد شخصية انتقالية، بل رمز لرهان وطني كبير، يضع سوريا أمام خيارين، إما أن تتحول إلى نموذج للتعافي الوطني، أو أن تغرق مجدداً في مستنقع التناحر.
غير أن المشهد في نيويورك، والهتاف العابر للمحيط: “ارفع رأسك فوق أنت سوري حر”، كان كافياً ليمنح السوريين، يقيناً أن الغد قد يكون مختلفاً.. غداً قد لا يكون مجرد انتظار.