الثورة – جهاد الزعبي:
تمتلك سفوح وادي الزيدي في درعا مئات الكهوف والمغارات التي تعود لعصور ما قبل التاريخ، ووصفها الباحث الأثري ياسر أبو نقطة أنها توثق قصة تطور السكن البشري في عصور ما قبل التاريخ.
وحول أهميتها يقول الباحث أبو نقطة الذي تواصلنا معه في بلاد الاغتراب عبر “الماسنجر”، والذي كان عضو البعثة الأثرية التي وثقت ذلك المكان حينذاك: “ربما استهوتني تلك المغاور والكهوف وسط طبيعة أخاذة، لتكون مقصداً للتجوال والبحث لمعرفة خفايا الحضارات العريقة التي عاشت يوماً ما هنا”.
وأضاف: “كانت تلك الكهوف والمغارات ميداناً لحضارات بشرية يزيد تاريخها عن عشرة آلاف عام، فهنا على أطراف وادي الزيدي القادم شرقاً من مرتفعات جبل العرب، في محافظة السويداء، والذي يمر ويحاذي مدن وقرى محافظة درعا، بصرى الشام، وغصم، ومعربة، والجيزة، والمسيفرة، والطيبة، والنعيمة، وأم المياذن، ودرعا البلد، واليادودة، وتل شهاب، وزيزون، وحتى وادي اليرموك غرباً، نشأت حضارات عريقة منذ العصور الحجرية القديمة، وعثرنا خلال جولتنا على أدوات صوانية، مثل الفؤوس التي يزيد تاريخها عن 60 ألف عام، مروراً بالعصور الحجرية الوسيطة فالحديثة، ودلالة ذلك الكثير من المكاشط، ورؤوس السهام التي تنتشر في تلك الكهوف والمغاور.
وكشف أبو نقطة أنه من خلال البحث، وجدنا أنه قد رافق تلك الأدوات المكتشفة فترة سكن مبكر في كهوف ومغارات، ثم الانتقال إلى مرحلة بناء البيوت الدائرية المبكرة ومدافن الدولمن، ثم مرحلة عصور فجر التاريخ والفترات البرونزية، إذ شهدت حوران في تلك الفترات نشاطاً سكانياً لافتاً، ودلالته كثرة التلال والمدن العائدة لتلك الفترات”.
وفيما يخص الشعاب المشكلة لوادي اليرموك، بيّن أنها شهدت هي الأخرى الكثير من الحضارات، لكن وادي الزيدي يعد منطقة هامة وشهد تتابع سكني لافت، وقد بقي استخدام المغارة كتشكيل مستمراً حتى الألف الأول قبل الميلاد، وصولاً للفترات الكلاسيكية وكانت تحتوي على مدافن عائلية ومخازن وخزانات وأماكن للمعيشة والعبادة. وأكثر وأجمل الأمثلة لإرث حوران المحفور في الصخر، وصولاً لسفوح وادي اليرموك وجوانبه وما تحتويه من تشكيلات طبيعية في أحيان، وأثرية مشغولة بأحيان أخرى.
وكشف أبو نقطة أن تلك الكهوف والمغارات تعرضت خلال سنوات الحرب للعبث والتنقيب السري، ما أدى لتخريبها وتغيير ملامحها، وطالب الأهالي بضرورة الحفاظ على الأماكن التاريخية التي كانت يوماً ميداناً للبحث والتوثيق الحضاري.